الله ليس ديكتــاتـوراً




الله ليس بتلك الصورة التي رسمناها له. ولا الدين بهذه الديكتاتورية التي تربينا عليها، فالتربية الدينية التي نشأنا عليها لا تحتوي سوى على الطاعة والتخويف.. افعل كذا ولا تفعل كذا وإلا سيحدث لك كذا وكذا وكذا .. الطاعة العمياء ليست من الله في شيء وإلا كان الله أنزل أوامره فقط للناس ولم يهتم بتفسيرها.. هناك ما هو أهم من الأمر والنهي .. هناك الفهم والتقدير والحس... 

لماذا نزعنا الأحاسيس من الدين وجعلناه أوامر مفرغة من محتواها واختزلناه فقط في أفعل ولا تفعل؟ 

لماذا جعلنا طاعة رجال الدين من طاعة الله وطاعة الله من طاعة الوالدين والأقربين والأهل والعشيرة؟ بالرغم أن الله لم يأمرنا بأي طاعة إلا بسبب واضح وعن فهم ووعي واقتناع تام بالفعل.. لكننا أسقطنا التفكير في الأمور الدينية لأنهم خوفونا من الفكر والاسترسال في معنى ومفهوم الله بدعوى الشطط والحرمانية والكفر، فأصبح إيماننا بالله هشاً يعتمد على كلمات ومفاهيم الذين سبقونا فقط بينما كلام الله واضح وصريح... لابد أن تفكر بالله وتثير التساؤلات حوله وتبحث وتفتش عنه، فكيف ستؤمن بشيء إن لم تقتنع به داخلك أولا؟ 

الله ليس ديكتاتورا أو هيناً كي يأمرنا بأي شيء بدون سبب ومعنى مقنع.. فقد ترك لنا كل شيء مكتوباً ومنظوراً ومحسوساً.... ترك لنا العنان كي نفتش ونبحث عنه بأي مفهوم.. لم يجعل علينا في الدين من حرج ولم يحرم النقاش في آي فكرة مهما بلغت غرابتها وشطوحها.. 

لا أدري من أين أتينا بهذا الخوف من التفكير والتساؤل في الدين .. وكأننا سنفقد إيماننا المزعوم إن أعدنا التفكير في الله أو ستهبط علينا صاعقة من السماء إن نحن فتحنا باب التساؤلات والخيال. 

هل أقول لكم شيئا.. الله طلب منا دوما التفكير فيه .. بلا ثوابت أو محاذير أو أفكار مسبقة.. ترك لنا كلماته الشخصية بذاته.. كلمات سهلة واضحة لأي شخص يعرف فقط مبادئ اللغة، بل لأي شخص يشعر أو يسمع بحياد.. 

وأكثر شيء حذرنا الله منه هو الإتباع الأعمى بدون تفكير والاستسلام لمنطق الآباء والأسلاف والسير على طريقتهم بدون تفنيد أو اقتناع مبني على فهم.. حتى ولو كان الآباء على صواب، فأنت مأمور بالبحث عن الله في ذاتك.. في زمانك الخاص بمعطياتك الخاصة، لأن مفهوم الحقائق يختلف من جيل إلى جيل والدين بمفهوم الأسلاف وزمانهم يختلف عن مفاهيم الزمن الحاضر الحديث. 

نحن نريد اقتناع لا إتباع.. الله واسع محيط لا يريد أن ننظر له بمفهوم ضيق نابع من أشخاص مهما بلغت مكانتهم.. فالله لا يقف عند حدود أي أسلاف أو أفكار أو كلمات... 

الله يقول لنا تأملوا واسألوا واستخدموا كل معطيات زمانكم.. ولا تخافوا ولا تخجلوا ... ستخطئون وتصيبون.. ونحن دائما على خطأ... ستجهلون وتعلمون .. ونحن دائما على جهل.. فهذه الحياة ليست كاملة، هي فقط محاولات للفهم وتوسيع أفاق التفكير كل يوم.. فإن علمت لله معنى فاعلم أن الله أكبر من كل المعاني.. وإن وجدت لله حداً فاعلم أن الله لا يحده حدود.. وإن اكتشفت لله قدراً فاعلم أن جميع المخلوقات من البداية للنهاية لم يقدروا الله حق قدره... 

فابحث بذاتك عن الله كل يوم.. فكل يوم هو في شأن .. سبحانه وتعالى عما يشركون...


ودمتم 
وليد فاروق...

إحــتـرش


يمكن اتفرجت على فيلم سكس أو أكتر عشان كده بقى مفهوم الجنس في خيالك بالطريقة القذرة اللي بتفكّر بيها دي. 

بمكن سمعت شيخ بيتكلم عن المرأة المتبرجة إنها مصدر الفتنة والفسوق فصدّقت بينك وبين نفسك ان المتبرجات يستحقوا التحرش والاغتصاب كمان .. مين قالهم يمشوا كاسيات عاريات في الشارع؟ 

يمكن كبتك الجنسي بقى متحكم فيك لدرجة انك تحاول تلزق في جسم اي بنت زي الحيوانات، مع العلم إن مافيش حيوان معروف بيتصرف بالوساخة دي. 

يمكن ماعرفتش تتجوز عشان الفلوس والظروف، فكرهت الناس وقررت تتحرش بأي بنت كنوع من عقاب المجتمع الذي لم يراعي ظروفك .. عشان كده لازم المجتمع يستحمل مسئولية هيجانك. 

يمكن شحنك المجتمع الذكوري انك تستبيح اي بنت في الشارع باعتبار وجود المرأة محصور فقط في الجنس. وهيه مالهاش حق غير انها تقبل تحرشك .. وتنبسط بيه، وتقولك عاوزة كمان. 

يمكن تكون ناتج نظام فاشل منافق بلا اي أخلاق، ماحدّش علمك حاجة، فبقيت تفكرّ بنصّك التحتاني عشان لما الدماغ تكون فاضية، سهل جدا تصدق إن مخك هوه عضوك الذكري. 

يمكن ماسمعتش حاجة عن النساء غير إن كيدهن عظيم، وامرأة العزيز اللي قطعت قميص سيدنا يوسف وشقته من ورا ولو كان سيدنا يوسف هوه اللي ابتدا كنا هانلاقي قميصه مشقوق من قدام. بس الرجالة بعد كده طلعوا اذكياء جنسيا وعملوا كل القمصان الرجالي مشقوقة جاهزة من قدام بس بزراير عشان يبقى سهل يفتحوها ويقفلوها على طول. 

يمكن المجتمع صوّر لك البنت على إنها مخلوقة للفراش (السرير يعني) فبقيت تستنكر وجودها وهي ماشية جنبك في الشارع، فتتحرش بيها باعتبار أي مكان فيه بنت يبقى فراش (سرير يعني). 

يمكن الثقافة الإعلانية المعتمدة على استخدام بنات مغرية، أو جزء من التربية الدينية الغلط المصرة على الجواز من 4 والتركيز والتفصيل في الأمور الجنسية تحديداً. الحاجات دي أعطتك دافع لاشعوري بالتفكير الجنسي بأي بنت، ولو كانت حتى ما وصلتش سنّ البلوغ. 

يمكن ماسمعتش رجل دين قال ان التحرش حرام وغلط، واتكلّم بس في فسق النساء ومسئوليتهم الكاملة على اللي ممكن يحصل لهم. فبقيت تتحرش بيهم من غير حرج أو أي تأنيب ضمير، وأحيانا بتفكّر إن تحرشك بيهم أصلا نوع من أنواع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 

يمكن اتربيت في شارع كلّ ما بنت تمشي فيه لابسة بنطلون، لازم معظم الشارع يبصّ على "مؤخرتها" تحديداً .. ويطوّلوا في البصة وكل واحد فيهم يتمنى لو كان البنطلون أضيق شوية، وفي الآخر تبرروا نظراتكوا الشهوانية بإن ده حق طبيعي ليكوا وترموا اللوم على البنت برضه. 

ممكن تكون من نوعية لا تتأثر أخلاقياً ولا عاطفياً، بس بتتأثر جنسياً على أي شكل انثوي ولو كان مانيكان عريان في فاترينة. اعرف ساعتها إن حياتك ما عادتش انسانية لكن بقت تناسلية، وأكتر حاجة بتضايقك هي الهدوم عموماً. 

ممكن تكون متجوز وعندك مراتك حلالك، لكن خيالك لسه خاين وانت بتبصّ على البنات وتتمنّى في نفسك انك تقضي معاهم أوقات حميمة بس لو سمحت الظروف .. وغالبا هاتعمل كده لو لقيت فرصة. 

ممكن بنت تكون ماشية جنبك تقوم تدوّر بعنيك على أي حتّة جلد ظاهرة منها ولو حتى كان صوابع ايديها، الموضوع مالوش علاقة بالملابس على قد ما هو استعداد جنسي مسبق في خيالك انك تستبيح اي شيء عينك تقع عليه. 

التحرش يتراوح بين فكرة عابرة مرورا بكلمة أو نظرة أو لمسة، أو حركة بذيئة في نص ثانية تلمس بيها البنت، ما تفتكرش ان حضرتك كده بقيت دكر ..وعموما البنت بتتأذي نفسيا من كل ده اكتر بكتير مما تتخيل. 

ممكن بعد كده إنك تحترس أو تتحرش .. والمجتمع برضه ممكن يسيبك .. أو يقتلك .. لكن الحاجات دي حسابها الحقيقي مش بيكون على أيد البشر،، وأقل حاجة إن اللي انت عملته في اي بنت لازم هايحصل في اكتر حد انت بتحبه ... عشان كده سايبلك حرية القرار ... بشوقك ... 

ودمتم

قــد كــفــرت



كفرت بهذا الهراء الذي نفعله الآن وطوال حياتنا .. لماذا نحن مرضى بهذا الشكل المقيت .. ما هذا الذي فعلناه ونفعله بنا وبحاضرنا وبمستقبل أولادنا..؟؟؟

جميعنا ندعي الحكمة والإيمان ونحن أجهل من الدواب .. ندعي العفة والطهارة وبداخل نفوسنا مستعمرات كذب ونفاق وعبودية لا مثيل لها.

قد كفرت بهذا المجتمع المختلّ ...والذي ترتكب فيه جميع الخطايا باسم العرف والقانون والسائد بينكم في تلك المنظومة البلهاء ... الفارغة من أي تعليم حقيقي أو وعي أو ثقافة أو حتى فطرة سليمة.

قد كفرت بتحجر فكركم الذي يقتل كل تغيير أو تحديث لما هو مألوف ... حتى عندما أتى نصر من الله جميل .. وتنسمنا جميعنا أنسام الحرية وشعرنا ولو ليوم أننا نملك شيئا اسمه كرامة ... لكن سرعان ما كفرنا بتلك النعمة وارتضينا أن نعود لما وجدنا عليه آباءنا الأولون ...

كفرت بهالات القدسية التي تحيطون بها أنفسكم وشيوخكم وقساوستكم وحكامهم .... الم نتعلم شيئاً واحدا من كل تاريخ البشرية الماضي؟؟؟ ألم نتعلّم بعد أن معظم دماء الأرض قد سُفكت على أيدي المتكبرين ... وكلهم سواء،، سواء من ارتدى عباءة سلطة أو عباءة دين.

الم نتعلّم بعد،، أن كل شيء يتاجر به ويباع ويشترى حتى اسم الله نفسه يتاجر به البشر على مر العصور والأزمان والأديان.

قد كفرت بقسوة قلوبكم وتزييفكم الدائم للحقائق ومبرراتكم الجاهزة لأي شيء ... بلا ذرة اعتذار أو شعور بالأسف على أي ذنب اقترفتموه ... وكأننا ألهه لا تخطيء .. وحتى إن أخطأت .. فلا داعي لإبداء ذرة ندم .. فسندخل الجنة بالتأكيد .. ليت لي أن أعرف من تأتون بتلك الثقة المطلقة أنكم دائماً الحق بل وفي أصحاب اليمين؟؟؟

قد كفرت بأقنعتكم الشمعية المزيفة التي تضعونها على وجه حقيقتكم المشوهة .. فنظهر وقورين محترمين ونحن ألـدّ الخصام في نفوسنا.

قد كفرت بدمويتكم وقدرتكم على قتل نفوسكم ودفن أمال ذريتكم وتشويه كل ما هو جميل وبريء في الحياة ... وها نحن قد دمّرنا الأرض ولم نراع فيها عهداً ولا ذمة .. نستعبد أنفسنا ونحرق عالمنا من أجل أطماع وسلطة وأوهام نحن صانعوها وجاعلوها تبدو كحقيقة وغاية ... فيبدو أننا لن نفيق من سباتنا .. إلا لحظة الهلاك تماما كما قال علينا خالقنا.

لقد كفرت بالأحزاب والآباء ورجال الدين وأي منصب ومنطق انتم واضعوه ... فشريعة الله ليست هنا ... وليست على يد بشر من الأساس لأننا لم نبلغ حتى حد تطبيق شريعة الغاب... التي أراها أعدل وأفضل من شرائعنا الآن .. على الأقل لن تجد حيوان يبيد بني جنسه لمجرد أنه رأى أنه أفضل منهم. .. ولن تجد في شريعة الغاب حيوان يتلذذ بتعذيب فريسته أو يتآمر عليها بتلك الوسائل القذرة التي نسيّر بها أمورنا كل يوم.

لقد فقدنا إنسانيتنا منذ زمن .. فرّغنا القيم من محتواها وشوهنا الدين ونسينا عهودنا القديمة والحديثة ... متى سندرك أننا لسنا على شيء مما نحسب نفوسنا عليه؟؟؟؟

لماذا حوّلنا ديننا ودنيانا إلى سحابة من غباء وكبرياء وهباء منثورا؟؟؟؟

أناشد نفسي قبل نفوسكم أن نحاول نفيق لحظة واحدة ونعيد تقييم مبادئنا من جديد ... فكم من خطايا لا يراها إلا إثنان ... صاحبها ..... والله المحيط


ودمتم
_____________

إلى أخي الأسير ... حمزة كاشغري

ودفاعا عن رحمات قد انقضت من داخلنا منذ زمن بعيد...


عقيدتي المـزيفة


ظننت لفترة من الزمن بأني إنسان مؤمن مكتمل، كنت قد بدأت أصلي الفرض وأغض البصر وأستمع إلى شرائط الدروس الدينية.. حتى ظننت أني من أهل الإيمان وبعدها 

بدأ يولد داخلي شعور غريب .. أنا مؤمن .. أنا الحق .. أنا أعلم أكثر من معظم العامة .. أنا تقي .. صلاتي والزبيبة التي بدأت في الإنبات على جبهتي تشي بإيماني .. أنا مسلم مكتمل .. للأسف أنظر إلى البشر التائهون بالخارج والفتيات المتبرجات فأدعو لهم بالهداية، فهم خاطئون .. ما هذه المنكرات التي يفعلونها .. ألا يتوبون إلى الله ؟؟


شيئاً فشيئاً يزداد إيماني كلما نظرت إلى كمّ الخطيئة خارج إطار حياتي .. أحسبني من أهل الجنة فأنا أتقى من هؤلاء .. وشعور الخطيئة لا يراودني أبداً

أنا لا أشتم أحداً لكني أحقد على أعداء الدين، أنا لا أزني لكني أحلم بسبي الفتيات المنحلاّت اللاتي يتمايلن أمامي في الطرقات ويجعلونني أبذل جهداً خرافياً كي لا أُفتن بهم ... تباً لكم أيها المجتمع الفاسق .. لا أعلم لماذا لا يأخذنكم الله بذنوبكم وأنتم تفسقون في الأرض جهاراً نهارا

ولكن صبراً .. فيوماً ما سيمكن الله عباده الصالحين في الأرض كي يقيموا شريعته ويحكمون بما أنزل .. وأنا منهم بالطبع

يومها سأطهر الأرض من الدنس، وسأذل أعداء الدين الذين ظللت أدعو عليهم بالهلاك طيلة حياتي وسأقيم العدل وأمر بالمعروف وأنهى عن المنكر بكتاب الله وسنة رسوله .. فنحن خلفاء الله في الأرض ولن نرضى إلا بحكم الله .. ونحن القائمون على تنفيذه بالطبع .. فمن أحسن منا ديناً وإيماناً

والآن .... وبعد صدمات عديدة تلقيتها ولازالت تضربني في حياتي وروحي وفي إيماني المزعوم .. أدعو الله كي يغفر لي خطيئتي حين ظننت أني على قدر من الإيمان

من أنا كي أدّعي ذلك؟؟ من أنا كي أظن أني سأقيم حكم الله على الأرض، وكأن الله ينتظرني أنا كي أُقيم شريعته؟ أنا الكافر الجاحد الجاهل الفاني .. أظن كبراً وغروراً أني على شيء من الإيمان والتقوى وأقنع نفسي بذلك ؟؟ أي زيف هذا؟؟ .. أي ذنب أعظم من أن أظن أنني وحدي الحق، وأن ما أعتقده فقط هو الصواب؟ أي قبح قد ظننته حينما اعتقدت أن التعصب والكراهية والحقد بداخلي هو عين الإيمان؟؟

تلك فتنة كبيرة .. أن تعتقد أنك تملك الحق وتحكم على الآخرين بمفهومك البشري الضئيل، أن تظن أنك أفضل من الآخرين ..أن تتدخل في مقدرات الله التي وضعها داخل النفوس .. أن تظن انك ستدخل الجنة راضياً عن أعمالك البلهاء وطريقة تفكيرك العقيمة .. من أنت كي تحتكر الله؟

الله .. الذي قال أنني دوماً على خطأ،، قالها الله بشتى الطرق والوسائل .. لكني كنت أكابر والقي بتهمة الكفر على القوم الآخرين .. وكأنني ملاك طاهر برئ لا ينبغي مسائلته لأنه يظن نفسه الحق

لقد أمنت مكر الله، لقد أيقنت أني سأدخل الجنة فقط لأني ظننت هذا .. وكان مفهومي الضئيل في الحياة هو مفهوم الله في خلقه 

أنا من كنت أسب الدين حين ظننته عصبية وكراهية وحمية وصراخ .. أنا من كنت أوذي رسول الله بضيق أفقي وتعنتي وإصراري على رؤية الدماء في الأرض بينما لم يرسله الله إلا فقط .. رحمة للعالمين


أنا لا أجرؤ الآن على اتهام أحد بالكفر .. فإن كان هناك متهما وحيداً في تلك القضية .. فهو الوجه الذي أراه ماثلاً أمامي في مرآتي كل صباح

ودمتم
وليد فاروق

فـتـىً .. يُقَـالُ لَهُ إِبْـرَاهِـيـمُ .. الجزء الأول



وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ .. إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ


تلك الكلمات التي صرخ بها أبينا إبراهيم منذ زمن بعيد .. تلك الكلمات التي جهر بها عندما اكتشف الصدمة الكبرى في حياته، عندما أدرك أنه يحيا في مجتمع كاذب مختل .. فقد نشأ إبراهيم في بيئة تحتم عليه أن يتبع الآباء والأجداد .. أن يكون ولائه لعادات المجتمع وتقاليده بصرف النظر عن مدى صحتها.

إنها بيئة يتبع فيها الرجال شهوات السلطة والنفوذ والأهواء .. وكله باسم الإله .. تلك التماثيل التي صنعوها بتقوى شديدة بدعوى أنها ترمز للخالق، لكن الحقيقة أنها ترمز لأطماعهم وحب السيطرة والكبرياء والنفوذ بينهم ولهذا يتمسك بها القوم ويتعصبون لها، هم يعلمون أنها آلهة مزيفة وليس لها في نفوسهم أي قدسية .. لكنهم يتبعون النظام الذي وضعه الأجداد ثم تركوه ميراثاً للأبناء .. لم يفكر الأبناء جيلاً بعد جيل في مراجعة آبائهم ولا أسلافهم .. وحتى من يدرك منهم ويكتشف زيف الحقائق، فلن يضحي بما اكتسبه من نظام وأسلوب حياة من اجل لاشيء بزعمهم. 

في قرية إبراهيم، حيث جميع القوم يبرزون لبعضهم الفضائل لكن سرهم الصغير المشترك هو: نعلم انه هراء ولا أحد يكترث بأمر الآلهة .. لكنها ضرورية الشكل كي نحافظ على مكانتنا وكبريائنا بين الأقوام وبيننا البعض.

لربما كان هذا هو السبب الرئيسي كي يدرك الفتى الصغير هذا التباين .. ليرى كيف أن قومه يقولون أشياء ويفعلون أشياء أخرى، ليرى كيف قومه يقلبون الحقائق ويختزلون الأحاسيس، وكيف يختصرون معنى الإله الخالق في كلمة واحدة أو قطعة من الحجر أو تراثا مجهولاً.

يوجد شيء خاطئ جداً في عبارة الحياة لدى هؤلاء القوم، والخطأ إما أن يكون في جملة القوم بأكملهم .. أو أن يكون هكذا هو الخالق وما يفعل قومه هو حقاً ثوابت الإله.

ولكن .. بنظرة في النجوم .. بلمحة من السماء ..بمراقبة الطير والرياح وتمايل الأشجار .. بالتأمل في ثبات الجبال وجريان الأنهار .. فلا توجد سوى حقيقة واحدة تشربها الفتى ذو القلب البريء .. أن معنى الخالق الكبير هو بعيد كل البعد عما يقول ويفعل ويقسم هؤلاء.

إنهم يفترون على خالق كل هذا الجمال بل ويدعون أنهم يتحدثون باسمه، يقولون أنه الحي العظيم .. ثم يشبهونه بقطعة من حجر هي من صنع أيديهم الآثمة.

إنهم يدعون أنهم مفطورون على دين تلك الأحجار، لكنهم يتناسون أنهم من شكلوها أولاً لتتماشى مع فطرتهم المحرفة، المشبعة بالجمود والصمت تماما كآلهتهم الحجرية.

هنا كانت بداية تحديد القرار لدى إبراهيم .. كذبة مهولة تلك التي يحيا بها .. وكل لحظة تمر عليه يشعر بعمق الكذبة ومدى تأصلها في نفوس قومه .. هو ليس مثلهم .. هو ليس منهم.

هو يحب قومه وعلى رأسهم أبيه أذر صانع تماثيل الآلهة .. هو يريد البوح .. هو يريد أن يحذرهم. 

هو يعلم أن من الجنون أن يتكلم .. لكنه يعلم كذلك أنه يتواطأ إن صمت ... هو لا يريد الإقرار بهذه الكذبة ولو حتى بصمته .. يريد أن يبرئ روحه من تلك التهم الأخلاقية الفجة .. فليتكلم إذن .. وليكن ما يكون.

فليطعن في عقيدة القوم لأنه أدرك أن بداخله قلب مازال ينبض بالحب والحياة .. وليس حجراً أصم كما يعبدون.

فلتصرخ بها عالية يا إبراهيم ... فلتتبرأ من كل الأكاذيب المفتريات باسم ألهتهم المزعومة .. فلتطهّر ساحتك من كل إتباع أعمى وكل عادة ظاهرها التقوى وباطنها الخداع.

ولتستعد لطريق آخر عرضه ملكوت السماء والأرض .. وليحفظ الله قلبك الذي لم يأت قلب مثله في صدر بشري سواك. 

أبي إبراهيم ... صلى الله عليك وسلم 

يتبع....
وليد فاروق

الـدين المغـلــوط



يبدو إنني قد صرت للكفر أقرب من الإيمان ... أعتذر ..فلا يوجد أصلاً بداخلي إيمان.

صدمت عندما اكتشفت هذه الحقيقة.. إن الدين شيء وما تعلمته من رجال الدين والمجتمع شيء مختلف تماماً.

بداخلي تضارب وتشتت في نفسي بسبب الدين المغلوط الذي تعلمته والفضائل الوهمية التي تربيت عليها.

هناك شيء اسمه العادات والتقاليد القديمة وكيف أنها على مدار الزمن اختلطت بالدين وخالطته ، وإلا لماذا حذرنا الله من اعتقاد وتقليد الآباء والأجداد ... ولماذا شدد الله على تلك النقطة بالذات .. بينما نحن لا نذكر حرفاً عن هذا الموضوع؟؟؟

هناك شيء آخر حذرنا الله منه وهو سياسة الإتباع الأعمى لأشخاص أو أراء محددة بدون التفكير فيها أو عقلها .. ولكن لأننا مجتمع منقاد بطبعه .. فالسائد بيننا هو سياسة الأمر والطاعة سواء لحاكم أو مدير أو رجل دين .. أليس كذلك؟

لم يحدثنا أحد عن حرية الفكر أو أن يكون لكل شخص رأيه الخاص في الحياة .. فقط خوفونا وأرهبونا من إعمال العقل مخافة الشطط أو الكفر أو الإيذاء.

عن الأهل أيضاً أتحدث، الذين لا يرضون لأبنائهم أن يكون لهم شخصياتهم الخاصة.. فيكبرون كنسخة مصغرة من أفكار آبائهم على علتها.

علمونا أن المثالية هي الابن المطيع والطالب المطيع والموظف المطيع والمواطن الشريف .. المطيع لصاحب القوة بالطبع.

سنوات من عمرنا ونحن نتشرب كلمات ليست كلماتنا ونؤمن بآراء ليست لنا .. ونفعل كما يفعل الجميع .. المصيبة أننا نعتقد أن هذا هو الصواب لمجرد أننا فقط .. نفعله.

لقد حذرنا الله من أشياء عديدة وجدية .. للأسف لم نأخذ منها سوى ما ارتضته أنفسنا الضعيفة وأهوائنا الكبيرة واحتكمنا إلى الظاهر وتناسينا الباطن .. كالعادة.

نحن مجتمع بات يغطي حقيقته ويدعي أنها عورته.

أصبحنا نكره المختلف ولو على حق .. وتناسينا الوثيقة التي ستؤلمنا جميعاً لأنها تكشف عوراتنا وعيوبنا ونقاط ضعفنا .. فغرورنا البشري لم يتحدث عن حقيقة الخالق فينا .. لم يقل أحد أن الإنسان بطبعه كفور .. ظلوم .. جهول .. عجول .. ضال .. أعمى وأصم .. وبه من النقائض والمخزيات ما به .. نحن كذلك .. تلك حقيقة.

وسنظل كذلك حتى نهاية الزمن .. وكل ما يطلبه الإله منا هو فقط إدراك تلك النقاط فينا .. ليس المطلوب أن نغدو ملائكة أو بلا خطايا لأنه ببساطة مستحيل .. فالله لم يصممنا لذلك .. ولكننا مخلوقون لنعلم فقط أننا لسنا أتقياء كما ندعي ..وأننا في الغالب على خطأ ولكي نعلم فقط أننا لا نعلم شيئاً .. وأن طاعة الله ليست كطاعة مخلوق ولو قال لك ألف مرة في اليوم اسم الله... وأنه لا يزال هناك فرصة للفهم هنا ... وقبل أن يأتي يوم قريب .. لن ينفع يومها أي شيء من هذا الهراء الذي نفعله الأن.


ودمتم
وليد فاروق

نــداء الحلـم الأخـيـر



إلى أرواح ألأصدقاء الذين كانوا يحلمون .. إلى من عرفت منهم ومن لم أعرف .. منهم من غادر عالمنا ومنهم من ينتظر .. إلى من يحلمون بتحقيق الخيالات .. وبناء الواقع على كِسَف السحاب.

من أدركوا أن قيم الحياة أصبحت مقلوبة .. وأن الباطل في أعين الناس هو الحق .. وأن أعلم الناس هو أجهلهم وأن أرذل الرأي هو أحكمه .. مثلما أن حامينا هو حرامينا .. لكننا قوم لا يعدلون.

من أدركوا أن هذه الدنيا بما فيها لا تسوي عند خالقها قطرة دم واحدة تسيل على الأرض .. من لا يزال يؤلمهم الألم .. ويبهجهم الأمل.

إلى من يؤمنون بالعلامات ويقرون بجهلهم معترفين بالنواقص البشرية التي خلقنا الله بها.

أرجو منكم ألا تنسوا أحلامكم .. ولا تؤدوها مهما زادت بدائية المجتمع من حولكم .. تمسكوا بالطيبة في أرواحكم مهما تعالت جدران الكراهية وأحاطت بكم الأحقاد من كل صوب.

الحب هو القيمة الوحيدة المستفادة من درس الحياة على كوكب الأرض .. والحلم هو الوقود السماوي الذي لا يحتاج سوى قلب يدق وخيال يجمح كي يشغل حيزاً من الروح ثم الجسد ثم الواقع إن كان مقدراً له أن ينفذ على صفحة الأرض.

لا تقنطوا .. فاليأس هو خدعة الحياة الكبرى .. تذكروا أن المصائب والمحن مهما كبرت، تحمل في داخلها رحمات الله وسنته لإنجاز الأمور .. تذكروا يوم القي الصبي في جوف بئر .. ثم في غيابة زنزانة رطبة .. فقط كي يصبح بعد ذلك يوسف الصديق عزيز مصر.


تذكروا رجلاً لبث في بطن حوت في أعماق المحيط .. كي يرسله الله إلى قوم يؤمنون به ويعيش يونس وسطهم بسلام ورخاء ...تلك هي تصاريف القدر لتحقيق الأحلام .. كلهم تخلوا عن كل شيء وجردهم الله من كل شيء أولاً .. ثم تحققت أحلامهم ... وستظل تلك هي سنه الله في الأرض طالما يتعاقب عليها الليل والنهار .. وكل منهما ضروري لتحقيق الأخر ومعرفته .


تمسكوا بحلمكم الجميل ونية تنفيذه على الواقع .. لا تجزعوا إن تهدم على الأرض طالما نسخته الأصلية محفوظة في قلوبكم .. فإن ما تهدم منه لم يهدم إلا لبناء حلم أكثر روعة وأناقة وكمال.

وفي النهاية وفي كل الظروف سيسحب البساط من تحت الأقدام .. وتنطفئ النجوم ويهدم كل شيء ويتجمع في الكون كما بدأ في نقطة .. فقط كي يبدأ بعدها بناء عالم آخر أكثر حقيقة ودقة وكمالاً في كل شيء.

ولن يبقى شيء سوى الأحلام التي زرعناها يوماً ما هنا .. فانظروا أي الأشياء أهم في الوجود .. ولا تستهينوا بما داخلكم .. لأن الدنيا بما فيها هي مجرد انعكاس مرآة مقلوب ... بينما الحلم هو الواقع الحقيقي وهو الشيء الوحيد القادم من السماء .. والذي لا يموت .. وإن توقفت الأنفاس والأفلاك والأزمان ... لا يموت.


وحتى أن نلتقي ولا يهم مكان اللقاء ... تذكروا.

ودمتم
وليد فاروق

أنبياء غير مأجورون...


هذا التوضيح قد تم ذكره في القرأن العديد من المرات وعلى لسان جميع الأنبياء تقريباً.

فدائماً ما يشدد الله على هذا المعنى لأنبيائه .. لا تأخذوا أجراً من أحد .. ولا تطلبوا شيئا شخصياً من أي مخلوق.

إن النبي يدعو إلى قيماً ليست مادية .. ويبشر بأشياء لن يحصل عليها من اتبعه إلا بعد انقضاء الدنيا من الاساس.

ثم أن قيمة الدعوة لا تقدر بأي شيء دنيوي ولو كان مال الدنيا .. فلن يغني شعرة من نعيم الله أو عقابه.

معنى أن يأخذ النبي أجراً فهو يضر بالرسالة ككل .. ويحدد لها قيمة مادية مهما بلغت فهي مدركة ومحسوبة، .. ويفتح أبواب الأقاويل من عامة الناس ويهيئ لهم أن يطعنوا في صدق النبي بدعوى انه يأخذ أجراً على ما يدعو إليه .. أو لأنه يسعى إلى منصب وشهرة وثراء من خلال دعوته .. ويكثر القيل والقال .. ويتفرق هدف الرسالة الأساسي (الوحدة والتوحيد) بين ظنون الناس ويتيهون في دوائر الشك والتخوين والتجريح ... ويتحول الدين من مرتبة سماوية إلى مجرد سلعة لها ثمن معلوم .

وجميع الأنبياء كان لديهم عمل آخر دنيوي يأكلون منه وينفقون .. وإن كل الأنبياء كانوا يأكلون من عمل ايديهم كي يفصلوا بين المصالح الدنيوية .. وبين هيبة الرسالة واستقلالها .. فلم نسمع عن نبياً قد عمل (إشتغل) نبي وأخذ يدعو في قومه واتخذ على ذلك أجراً منهم.

الأصل هو الفصل بين الدعوة الدينية والمصلحة الدنيوية .. لأن الدين لا يقاس بالدنيا ولا بموازينها .. ولا يجب أن نزج بالدين في جدالنا العقيم حول مصالح دنيوية هي دائماً أدنى وأقل من اسم الله الذي أوشك أن تضيع هيبته من القلوب بسبب مهاتراتنا الدنيوية المحدودة.

الدعوة ليست أن تجادل بسم الله في امور دنيوية، بل هي في محاولة إخراج الناس من دوامات الدنيا وخديعتها .. هي محاولة لتوجيه بصائر الناس إلى السماء بدلاً من التحديق فيما يملك غيرهم .. وبدون أي مقابل أو منصب يطمع به الداعي .. لأنه اكثر شخص من المفترض أن يعلم مع من سيكون حسابه في النهاية.

والدين هو حسن المعاملات والاخلاق والصدق والإحسان في كل جوانب الحياة .. أما إذا تحول إلى كلمات بغرض منفعة مادية .. أو دعوى لتحقيق هدف دنيوي ايما كان وأصبح يفرق بين الناس .. فحتماً يوجد شيء ما خاطيء في هذا الأمر.

فالله هو الغاية وليس الوسيلة ..

والرسالة بلاغ صادق لا تحتاج لمال أو منصب كي يدعمها ..

فلننظر أين وضعنا الآن رسائلنا .. ودعوانا
____________

قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ - الأنعام :90

وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ - هود 29

إِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ - يونس 72

وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ - هود 29

يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ - هود 51

وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ - يوسف 140

وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ - الشعراء 109 - 127 -145 -164 - 180

وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ - سبأ 47

اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ - يس 21

قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ - ص 86

_______________
ودمتم
وليد فاروق
يناير2012

خطيـئـة الحــجــر


رأيت فيما يرى الهائم على وجهه،، أني وحدي في مكان سحيق.. محاطاً بكائنات لا ادري كنهها،، عارياً، وحيداً، خائبا، لا أملك لنفسي شيئاً... وسمعت صوتاً جباراً يناديني.

حاولت تحريك أي عضلة في جسدي،، فلم استطع حتى تحريك رأسي من على الأرض،، بل إني نسيت حتى كيفية تحريك جسدي.

يقول الصوت الهادر يهز كياني.. ماذا فعلت في يوم من أيام دنياك؟؟؟

فقلت وقد استبد بي الجزع،، أنت أعلم يا ملك الملوك.

فقال قد فعلت هذا في يوم من أيامي،، وأراني مشهداً ليس بغريب علي،، جمعان من الناس واقفان في مواجهه بعضهم البعض .. كانت وقفة سلمية،، هتافات وتعبير عن الرأي.

ثم رأيت نفسي واقفاً بين الجموع، أنحني والتقط من على الأرض حجراً .. نعم لقد تذكرت ذلك اليوم ... قد كنت أغار على دين الله من الأعداء.. وقررت أن القي حجراً في مواجهه طائفية.

ولكنني أذكر جيداً أن هذا الحجر لم يصب أحداً في ذلك اليوم.

قال لي الصوت انظر جيداً .. فلمحت الآن ثلاثة أشخاص كانوا بجانبي قد رأوني وأنا اقذف الحجر،، فالتقطوا أحجارا بدورهم وقذفوها على الجانب الآخــر.

نعم أتذكر أن الجانب الآخر قد تفاعل مع أحجارنا الملقاة واخذ يلقيها بدوره علينا .. فلما رأيت أن الأمر يتطور ما بين الجانبين .. أسرعت مبتعداً وذهبت إلى بيتي كي لا أتأذى أو أصيب.. أراني في هذا التسجيل قد ابتعدت عن الكادر .. لكن ظلت المعركة مشتعلة .. تراشق بالحجارة واشتباكات ورصاص ودم وصرعى.

هنا بدأت أدرك الحقيقة،، لولا الحجر الذي ألقيته في البداية، ما كان قد حدث ما حدث.. أدركت أن جميع حساباتي كانت خاطئة على الأرض.. فشيء صغير ليس له تأثير من وجهه نظري الضئيلة قد كان له تأثيراً مخيفاً في الحقيقة.

لم أدر ما أقول .. لكني وجدت المشهد قد تغير أمامي، ليظهرني أتحدث وسط جمع من الناس.. بعد ما ابتعدت عن المعركة وأثناء ذهابي إلى بيتي .. أراني أتكلم بكراهية وعداء واضحين عن طائفة معينة.. ثم أذهب وتبقى الكاميرا مسلطة على شخصاً بعينه كان حاضرا الحديث.. أدرك الآن انه قد تأثر بكلامي .. أرى عيناه تتسعان وقلبه يهتز في صدره من الانفعال.

ثم يذهب هذا الشخص ويمارس حياته،، لكنني أسمع أصداء صوتي تتردد في أذنيه كثيراً .. ثم يحدث قطع في المشهد .. لأراه يطعن شخصاً مسالماً في قلبه .. يقتله ببرود .. بينما مازالت روحه سكيرة من تلقاء كلماتي .. يظلم المشهد .. إلا من بقايا أصداء صوتي الكارهة.

افهم الآن إني أنا المتسبب الأول في مقتل هذا الرجل...

أبكي في ضراعة،، وأتمنى أن تسوى بس الأرض وأطلب الرحمة.

يقول الصوت... هؤلاء القتلى كانوا عبيدي،، كنت أرزقهم من السماء وأطعمهم واسقيهم وأكرمهم.. من أنت لكي تفعل فعلتك هذه... ما أدراك أيها الجاهل فلعلي كنت قد كتبت احدهم من الصالحين،، لعل شخصاً منهم كان في قلبه ذرة من الإيمان بي... لعلى كنت سأرزق شخصا من القتلى ولداً، يطيعني ويفعل بأمري ما لم تستطع فعله أنت ولا آباءك الأولين... ها أنت قد قطعت رحمتي من الوصول إلى عبد من عبادي .. وتطلب الآن الرحمة .. هذا ما فعلته في يوم من أيامك .. وما أدراك ببقية أيامك..

فلتحقّ عليك الآن كلماتي .. فادخل إلى .......

أفيق فزعاً .. أو أغفو خوفاً .. جسدي يرتجف وقلبي يدق كالرعود ..أدرك أني مازلت هنا .. كم لبثت،، دقيقة ،، ساعة ،، سنة ،، قرون .. لا يهم .. فالأزمان تتمدد وتنكمش في دنيا الأحلام.

لربما بقيت لحظات من عمر أنفاسي .. وقد فعلت ما فعلت الآن ... لا أدري سيغفر الله لي أم لا ... لكني قد ارتحلت فعلاً .. وأقسمت أني ..أبداً .. لن أعود.

ودمتم
وليد فاروق

9 مايو 2011
أعقاب حادث كنيسة إمبابة - القاهرة

لست ظــلّ الله


للأسف يظن بعض الناس أنهم تجسيداً للعدالة الإلهية على وجه الأرض،، لم لا وكل منهم يشعر أنه قد بلغ مبلغاً من العلم مما يؤهله للتحدث باسم الله وحلاله وحرامه .. ليس هذا فقط .. فهو من منطلق أنه لديه العلم، فقد وصل إلى مرحلة الدخول في سرائر الناس وصدورهم .. والإقرار بكفرهم أو إيمانهم .. غالباً كفرهم .. ثم أنه قليلاً ما يشهد بالإيمان لأحد غيره.


لابد أن من يصل لتلك المرحلة من الإستبصار ومعرفة إيمان الناس من كفرهم لا يخطيء أبداً .. وهو دائماً على حق .. فلا شيئ يقف أمام كلام الله ورسوله .. والجنة حتماً ستكون مثواه .. فهو لا يرى أحداً أحق بها منه .. هو الذي يحمل شارة الإيمان المتمثلة في لحية وجلباب وعلامة سوداء في الجبين من أثر السجود .. هو الذي صابر وصبر على الفسق والفجور الذي ابتلاه الله به في هذا الزمان الشرير .. هو الذي يغير على دين الله غيرة عمياء، إن عارضه أحد في الرأي .. فكيف للمعارض أن يعترض على رأيه الذي هو كلام الله ذاته.


ذلك البطل المغوار الذي يرى أن حكم الله هو حكمه هو .. والضرورات تبيح المحظورات .. فلا بأس من رجم الناس وتكفيرهم بدعوى تطهير أرض الله من الدنس .. فلو كان الأمر بيديه لأنزل على الناس صاعقة كصواعق عاد وثمود .. لأنهم فسقة وفجّار .. طبعاً لا مجال هنا لإعادة التفكير أو محاسبة النفس .. لأنه مع الله .. والله هو الحق .. وما عداه هو كفرٌ وهذيـان.


هذا الشخص قد صبر كثيراً .. ورأى الدين ذليلاً بسبب أعداء الإسلام الذي أفنى معظم حياته في الدعاء عليهم .. لكنهم للأسف .. لا يموتون. 


والآن .. قد لاحت له الفرصة للثأر من الأعداء .. فقد استجاب الله وحدثت الثورة "بفضل دعاؤه" وأصبح يعتلي المنابر وشاشات التلفاز .. وكشف الله به الغمة .. فلا وقت يضيعه .. فخلاصة الموضوع أن معظم البشر كافرون .. أو ضالون .. أو أثمون .. قضي الامر .. ولابد من تطهير الأرض.


فليكفّر كل من يختلف معه وكل من لا يطيعه .. هو يعلم أن تكفير الناس عملاً غير محبب .. لكن كما قلنا .. الضرورات تبيح المحظورات .. هو يعلم أن الرفق واللين والصبر الجميل هم مفاتح القلب والحوار .. لكن كما قلنا .. لا وقت يضيعه .. فليحافظ على التهديد والوعيد .. لأن الحق ليس له إلا أن يطاع .. فطريق الجنة لا يمر إلا من خلاله .. فمن أطاع له الجنه .. ومن عصى فسيدخله النار .. فكيف لا يحاسب الناس وهو يحسب أنه ظل الله على الأرض .. لكن للأسف ذلك الظل ... هو الذي يحجب نور الله الحقيقي من السطوع....


ودمتم
وليد فاروق