قط التــوت البــرّي


يحكى أنه كان هناك هرّ (قط صغير) هو .. يعيش في منزل من تربيه .. وهي فتاة .. رقيقة كالحلم .. جميلة كلآلئ المحيط .. كانت ترعاه وتقدم له الطعام والمأوى...ز

كان يحبها بجنون .. يلهو بشعرها المبتل في أمسيات الصيف، ويدغدغ أطرافها بفرائه في ليالي الشتاء. كان يدمن كل أفعالها .. ويهوي ثنياتها في كافة أرجاء المنزل .. وكان يعشق رائحتها ورائحة ملابسها وكافة متعلقاتها .. وخصوصاً رائحة التوت البري المميز لأحمر الشفاه الخاص بها، كانت كثيرا ما تضبطه متلبساً وهو يحاول التهام أصابع احمر الشفاه .. وقد لطخ وجهه باللون الوردي .. فكانت تنقض علبه كالفراشة مداعبة ..تطرحه أرضا وتدغدغ بطنه بأنفها في براءة .. كانت تلهو معه كثيراً .. تداعب اسفل ذقنه بأناملها الرقيقة .. وتقبّل ما بين عينيه .. كانت أحيانا تشكو إليه شيئا ما وهو يعلم انه في بعض الأوقات يكون الوحيد الذي يستمع إليها عند شعورها بالوحدة أو عندما تزهد الأصدقاء ..وقد كان ينتشي بهذا الشعور حيث كان يشعر ولو للحظة بأنها ملكه هو وحده...ز

كان حبها ينمو بداخله لحظة بلحظة، كان ينتظرها كل ليلة..يحلم بملمس أصابعها على ظهره .. يشتاق لرائحتها الزكية.. كان لا يأكل إلا قليلا، فزاده هو بريق عيناها المتلألي .. كان قنوعاً، لم يطلب أكثر وإن حلم بأكثر من هذا...ز

شيئاً فشيئاً بدأت الفتاة الرقيقة في التغير من ناحيته .. لم تعد تلعب معه أو تدغدغه، وعندما كان يتمسح في ساقيها كانت تبتعد ولا تبالي. لم تعد تدعه لينام معها في غرفتها .. فقط كان ينام على بابها خارجاً. احيانا كانت تقسو عليه لأشياء تافهة.. لم تعد تهتم به حتى الإهتمام العادي...ز

اكتئب القط وانكمش أكثر .. كانت تقدم له الطعام فكان يأبى أن يأكله .. يعوي ويصرخ من اشتياقه لها، لكنها كانت تقدم له المزيد من الطعام .. هو لا يريد طعاماً .. فقط يريد حضنها هي...ز

لم تفهم ما يريده .. ولم يكف هو عن البكاء والحزن .. فهي بالنسبة له كل شئ.. حتى أصبح صوت بكاءه مزعجاً بالنسبة لها .. فطردته من المنزل في ليلة شتاء باردة...ز

لم يفهم سر قسوتها .. ظل يصرخ ويحاول التملص منها .. يلعق وجهها في توسل .. يمسك الأرض بأظافرة وهي تجذبه للخارج ... وأخيرا صفقت باب المنزل في وجهه وهو مازال مذهولاً...ز

وحيداً .. لا يدري شيئا خارج هذا الباب .. مصدوماً .. متألما .. يشعر ببرودة الجو .. والذعر من الكائنات الغريبة حوله.. فقط ظل يعوي ويصرخ أمام الباب...ز

كان روحه تنهار بسرعة جنونية.. وكل لحظة تمر عليه كانت ملايين الأحزان تتكثف على قلبه الصغير .. لم كل هذه القسوة..ز
شعور بالخديعة والنكران.. شعور بالضياع والأم .. والشوق والحب ..تصعب عليه نفسه أكثر فيموت الماً .. مياو .. أشياء تتردد في ذهنه ويشي بها مواءه.. ماذا فعلت؟ لما تفعلين بي هكذا؟ ... تعرفين انه ليس لي سواكي في هذه العالم .. لمن تتركينني ... مياو .. احبك فعلاً. يظل يصرخ.. بلا جدوى...ز

يمشي منكسراً بضع خطوات ... لا يستطيع الابتعاد أكثر .. فروحه مازالت حبيسة ذلك البيت العزيز...ز

وفي الصباح .. سوف يكتشف عامل القمامة بجوار الصندوق .. جثة قط صغير.. تحتضن زجاجة فارغة من الحليب وتضع شفتيها على فوهه الزجاجة.... ترى هل سيلاحظ العامل أن فوهة تلك الزجاجة كانت ملوثة بأحمر الشفاه؟؟ لا أعتقد.... ولا أعتقد أيضاً انه كان ليلاحظ أن احمر الشفاه هذا ... كان بطعم التوت البري. ..ز

وليد فاروق
ضربة شمس
26/3/2008
 

وبكت عروستي ليلة زفافها


لم أقــل لها إني ذاهب لزيارتها في ذلك اليوم .. لم اعتاد أن أراها في ذلك التوقيت..ز

ذهبت لها في تلك الليلة .. كانت الشوارع مضاءة بألوان باهرة وجو الاحتفالات يخيم على المكان .. كان هناك كثير من المرح و الصخب و المجون .. لكن أين هي وســط كل هـــذا؟؟

ظللت أبحث عنها وسط مزيج الألــوان والضحكــات الســاخرة وفتيــات اللـــيل .. حتى رائحتهـــا لم تكن موجـــودة .. أسير أبحث عنها كـالمجنون....أفتش عنها في الطــرقــات .. في واجهات المتاجر الزجــاجية ... بين عيون الأطفـــال ...لا أجــدهــا .. الليلــــة هي عيــدهــا .. كل شئ يحتفــل بهـا، لكنها لم تكن هنــاك ... وحتى إن كانت حاضرة.. فلا أعتقد أنها كانت ستحب هذا الجــو ... فإنهــا مثلي .. هـادئة.. رقيقة... تحب أحيانا الجنون..المجون.. لكن ليس بهذه الطــريقة

فجــــــأة .. شعرت بوجودهـــا في مكان ما هنــا ... ربــــــاه ... لكم اشتقت لها .. أتضور ظمئــا لكي أقبل عيناهــا وأشم عطرهــا في نهم .. فأنا أومـن تماما بأننا نترك قطعا من أرواحنا في كل مكان نذهب إليه وكل شخص نقابله في الحياة .. لكنها استولت على الجزء الأكبر من روحي و كياني ولا أستطيع أن أسترجعه لأنه أختلط بدمائها وعظامها ... للأسف أصبحت أستمد منها حياتي .. فلا أدري إن كان سبب حبي لها هو روحي التي انسابت معها كالطفــل الصغير .. أم روحها اللامــعة التي سلبتني وجداني..ز

وفي اللحظة التــالية رأيتهـــا .. كانت واقفة هناك جهة البحر .. ترتدي ثوب زفاف أبيض قصير .. واضعة كم كبير من مساحيق التجميل وأحمر الشفاه الــلاذع ..شعرها مصبوغ بلون صــارخ ... وعيناها مختفية وراء عدسات لاصقــة ملونــة..ز

رأيتها .. لكنها لم ترني ... كانت حزينة .. غــاضبة .. حانقة .. تنظر إلى الناس نظرات اتهام .... لحظات تجمد فيها كل شئ حتى الزمن ... ثم صرخت .. صرخة ارتاع لها جميع الموجودين .. وتهشمت مصابيح الإنارة في الشوارع .. وانطفأت شموع الاحتفال .... ثم أجهشت بالبكــاء ... فارتجفت وإرتجف الناس و تراجعوا .. بينما أنا لا أزل بمكاني .. ثم أخذت تمزق ثوبها الأبيض وهي تبكي بحرقة وتصرخ... ومع صراخها كانت تنطلق من شفتيها رياح عاتية تهشم كل الموجودات .. اللافتــات والزينة.. والمصابيح الملونة... ثم أخذت دموعها في التساقط على جسدها ..ثم على الأشياء المهشمة من حولها.. دموع كانت تزيد من التهاب النيران التي اشتعلت في واجهات المنازل... كان الأمر أشبه بكـــارثة...ز

ومع فيض الدموع تطايرت عدساتها اللاصقة .. لكني لم أستطع أن أرى عيناها بعد ... ثم أخذت تتلوى كالمحمومة.. وهي تحاول جاهدة التخلص من مساحيق التجميل التي تلطخها ... تفرك وجهها بدموعها في هيستيريــا وتمسح شفتيها بظهر كفيها.. تختلط دموعها بلون كحل عينيها الداكن ... تمتد أظافرها لتتخلص من الوشم الجاثم على ذراعيها .. لتخمش لحمها وتدمي نفسها .. ماذا فعلوا بك يــا صغيرتي؟؟؟

قررت أن أقترب منها أكثر .. لكنها كانت عنيفة بحق ... حانقة .. لا تبالي بأي شئ...ز

أقترب منها ببطء .. تدفعني بقوة للخلف .. دموعها تغرقني.. لا أبالي .. أقترب منها أكثر.. تصبح أكثر شراسة .. أصرخ باسمها بأعلى صوتي .. لكنها لا تسمع من فرط صراخها... أصرخ حتى تتمزق حنجرتي و تنفجر رئتــاي .. لكنها لا تشعر...لقد دنوت منها كثيرا.. وحدي تماما .. فلا أحد يجرؤ على الاقتراب منها .. لا أحد يجسر على الدنو .. لكنى مجنون .. وأحبها بجنون..ز

خطوة أخرى نحوها ... تزداد شراسة وضراوة .. فهي لا تحب أن يراها أحد هكذا .. تدفعني بجنون لكي أبتعد عنها .. تصفعني بقوة لكي أتركها وشأنها .. أبكي من فرط الألم.. تختلط دموعي بدموعها كما اختلطت أرواحنا ببعض يوما ما .... قواي تنهار .. كل جسدي يئن من ضرباتها القاسية لي ... لكنني كنت سعيدا ... فلم يظفر مخلوق بهذه الفرصة من الخصوصية معها من قبل .. تزداد قوتها علي .. تخمش وجهي وجسدي بأظافرها... ليس باستطاعتي أن أفعل شئ ... فأنا شئ... وهي كــل شئ..ز

أراها بوضوح أكبر ... شعرها يتطايــر بجنون وسط الأمـــواج المتلاطمــة و قد أستعاد لونه الطبيعي و قد التصقت بعض الشعيرات بجبينها الوضاء ... وما تبقي من ثوب الزفاف يرفرف بقوة من فرط الرياح .. وأنا أوشك على الموت ألما ورهبة.. وحبا.. فقد كانت تعطيني حنانا ودفئا من بين الألم والجروح التي تسببها لي ... فالقسوة أحيانا تكون تعبيرا عن الحب ... أشم رائحتها بقوة .. فعطرها الأثير يأتي من أنفاسها المتلاحقة وزفراتها الحارة..ز
الآن أرى وجههــا الأصلي بوضوح .. كــانت هي ... عروستي التي طالمـــا أحببتها و قد هدأت نــوعا..ز

ترفع رأسهـــا الجميل نحــوي ... تنظر إلي بعينان أغرقت بالدموع.. وأنظر لها بجسد أغرق بدموعها..ز

رأتني .... فابتسمت... وابتسمت..ز
عندها .... أشرقت الشمس من جديد...ز

لكنى لم أشف بعد من الإلتهاب الرئوي الذي أصابني منذ زيارتي الأخيرة للإســكندريــة في نـوة الكريسمـــاس....ز

وليد فـــاروق


اسكنـدريتي الهـاشمية


اسكندريتي .. مدينة العشق القديم ... كلما أتيتها اشعر وكأن روحي تنسكب على حواف ضلوعي وتقطر على رمالها الأزلية .. أشعر بأنفاسها تلفح عظامي .. وتطير كوفيتي القطنية على كتفي فأرقص فرحاَ .. ولا أعبأ أن كنت قد طلت قمرك أم لم اطله .. فلا يهمني مادام بالنشوة قلبي ارتوي على قول عمنا صلاح جاهين...ز

ابحث تحت رمالها عن أثار روحية قديمة .. أنادي على عيون كليوباترا .. أتحسس مسارات الإسكندر الكبير .. اسمع أصداء محمد كريم وهو يحرض الأهالي على التصدي للفرنجة .. بينما بوارج نابليون ترسو على الميناء الغربي ..ثم تأتي موجة أخرى فتبعثر أحلامي .. وأتبعثر مع خواطري التذكارية .. فلا أتذكر سوى الإسكندرية....ز

هناك قهوة في حي سيدي بشر .. ربما هي الوحيدة التي نجت من عدوان الزمن الجديد على المدينة .. أم هاشم .. اعشق الجلوس عليها .. قديمة كأنما قد وجدت لتبقى .. تنظر الى البحر بنعاس .. ذات طابع ثلاثيني قديم .. الحوائط صفراء .. مليئة بثريات نحاسية عتيقة ومرايا كثيرة متقابلة .. فكأنما تعطي ابعاداَ ما ورائية وتفتح أبوابا لا حصر لها ... يوجد شمعدانات تزين الجدران .. بينما ينبعث صوت ام كلثوم دافئا هنياَ (بعد حين .. يبدل الحب داره .. والعصافير .. تهجر الأوكارا) ....ز

اطلب شايا فتأتيني صينية عليها براد به السائل الذهبي الشجي .. وقنينة بها سكر .. وكوبا صغيرا بها عواد النعناع الخضراء .. وكوبا فارغاَ على طبق فرعوني .. اصب وأحشو الملعقة ثم اسكبها وأقلب وأذوب في الماء الساخن .. وارشف رشفة فكأنما انتقل إلى زمان أخر ...ز

عهد الملكية .. تذوب الموجودات لتحل مكانها صورة صباح مشرق ... وطريق الكورنيش مزداناَ بعربات الخيول .. تقطعها بعض الاوتومبيلات العتيقة ... بينما تسير الفتيات الأجنبيات بعربات أطفالهن .. وتمشي بنات مصر بالبراقع وملاءات اللف تشتري في الأسواق .. ذلك الزمن الجميل .. عندما كانت هناك قيمة .. وكانت فئات الشعب ودياناتهم كأنهم طبقة واحدة .. كان هناك خير وجمال وصدق .. وكان هناك أيضا انجليز وطاغية وشر...ز

ذلك الزمن المهيب .. عندما كان الخير خيراَ .. والشر شراَ.. أما الآن .. فلا يكاد يتبين الخير من الشر....ز

أفيق من قديم .. على ثمالة الكوب .. بينما الست مازالت تشدو .. في بحار تئن فيها الرياح .. ضاع فيها المجداف .. والملاح...ز

وليد فاروق
ضربة شمس
20-1-2010

الانتظــار في المكـان الخـاطئ


عندما ننتظر .. ويطول الانتظار .. ويطول .. فإننا نتململ .. نجلس قليلا إن كنا واقفين .. أو نحرك أرجلنا قليلاً إن كنا جالسين .. ربما أطلق أحدنا سبة بذيئة أو أشعل لفافة تبغ كناية عن فقدان صبره .. فقط .. ثم نكمل الانتظار...ز

وفي رحلة بحثنا الذاتية عن حقيقة الحياة .. نفتش .. ننقب في دواخلنا وخارجنا .. نستعمل طاقاتنا الداخلية والسطحية .. وربما استعنا بحفار بترول ليساعدنا على عملية التنقيب عن الحقيقة .. حتى طال الوقت .. وربما نسينا ما كنا نبحث عنه أصلاً .. ولكننا مازلنا نبحث .. ربما لم يستطع احدنا أن يتوقف للحظة عن البحث ويتساءل ..(هو إحنا بندور على ايه بالظبط!!؟) .. وإن تساءل فربما يجيبه الذي يحفر بجواره بقوله إننا نبحث عن الحقيقة أو السعادة .. أو أي شيء هلامي القوام .. فإن كان هذا الشخص يملك نظرة عامة لما يجري خارج حدوده .. لوجد أن الأرض حوله قد دمرت أو كادت من فرط عمليات التنقيب العملاقة .. وأن سطح نفسه هو قد أصبح غير مستوي من أثار الفحت والردم بداخله ..ز

 ربما افترضنا كل شئ ممكن .. ووضعنا أسس وقوانين للبحث والتجربة .. لكن .. هل في أي لحظة افترض احدنا أن أدوات البحث التي نستعملها ليست صالحة لما نبحث عنه .. أو أن قوانيننا الذاتية ليست صحيحة؟؟

فنحن نستخدم قواتنا ونفوسنا .. ونحلل بعقولنا .. تساؤلات لا تنتهي .. لكن أين ما نسميه حقيقة الأشياء .. وفجأة يظهر سؤال أخر .. لربما كانت الحقيقة هنا .. لكن هل نحن حقيقيون بدرجة كافية لكي نتمكن من رؤيتها ...وهل كانت أجهزة استشعارنا على التردد الصحيح.. وما هو المقياس ... أم أصبح لكل منا حقيقة خاصة .. فأصبح كل شخص يبحث عن شيء ما .. هو في النهاية ليس بحقيقة .. ز

أما انتظارنا .. فربما كان لشيء لن يأتي أو شيء قد مرّ وذهب ،، ربما نحن ننتظر في المكان الخطأ .. بل أكثر من ذلك .. فربما كنا نتحرك فعلاً لكننا لا ندري ... أمام كل منا صورة ضبابية ينقصها شيء ما .. ربما الألوان .. أو تنقصها الروح .. أو الحب... لا ندري حقاً....ز

اعذروني على تساؤلاتي الهلامية وسفسطتي (حلوة سفسطتي دي) .. وعلى كلٍ .. وبما أننا في مطلع عام جديد .. وبداية لعلها تكون جديدة .. وأمل جديد (ايوه فيه أمل حضرتك).. لأننا مازلنا نملك بعض الوقت لكي نكمل تساؤلاتنا التائهة ..ومازالت قلوبنا تنبض وعمليات التنفس تتتالى بصدورنا وإن كنا لا نشعر بذلك.. وإن كنا مازلنا نجهل ما نبحث عنه وأين يوجد .. ولا يوجد هنا من الناس أو من العلامات ما قد يرشدنا ... أو ربما كنا نحن من لا يراها...ز

هذا وقد سئمنا من الانتظار .. أو ما نحسبه انتظارا .. فلنعد بالزمن للوراء .. قديماً قديما .. إلى خلق الإنسان الأول .. وسبب مجيئنا إلى كوكب الدنيا .. وانتظارنا هنا .. فربما أدركنا أننا نبحث عن شيء ما .. ولكننا ننتظره .. في مكان .. خاطئ....ز

وليد فاروق
ضربة شمس
31-12-2009
 

أيها الأمل البائد ... هل هذا أنت؟؟


لن أتحدث عن الأحوال العامة .. فهي واضحة للجميع .. فيكفي أن تنظر إلى وجه أي مواطن لتعرف تفاصيل حياته الكئيبة في خريطة وجهه المكفهر ... ولماذا أي مواطن .. يكفي أن ننظر في أي مرآة لندرك حالنا...ز

هذا الوجه الشاحب ذو الفم المصمت ... والأعين المذعورة .. هل هذا أنا؟ .. هل هذا أنت؟ .. أين أنت؟؟ .. وأين ما تبقى مني؟ .. تنظر لعينيه بثبات وتسأله بهدوء يكاد يقرب من حافة الجنون .. جاوبني؟ .. أين ذهبت بي؟ .. أريد نفسي .. لكنك تفاجأ بتلك النظرة الزجاجية الفارغة تحدق بك .. فلو كنت تملك خيالاً وبالاً رائقاً لخلعت عيناك ونظرت خلفها .. هل يوجد من أحد؟؟

تحاول الابتسام .. فتنكمش عضلات وجهك في محاولة غامضة للتمدد .. ثلاث ثوان فقط .. إلى أن تعود لوضعها الخاطئ الذي أصبح طبيعياً فينا....ز

تكمل ما كنت تفعله في الحمام وتنزل إلى الشارع .. تنظر إلى الوجوه .. سبحان الله .. وكأنك تنظر إلى مئات المرايا كالتي كنت تحدق بها منذ قليل .. يوجم أحداً في وجهك .. فتوجم في وجهه .. فيزداد الوجوم .. وتزداد الهموم....ز

في تلك الأوقات التي جعلناها كئيبة .. ابحث عن أي شيء أخر غير البشر المهمومين .. لربما في تلك اللحظة التي تفكر فيها .. يبعث الله لك عصفوراً يغرد بالقرب منك .. أو يجعل عيناك تقع على غصن شجرة خضراء يانعة .. تتراقص بالنسمات ولا تهتم لهذا الهراء الذي تفعله...ز

لربما تتساءل أنت عن هذا الهراء الذي تفعله أو تساءل نفسك .. لماذا تلك الشجرة سعيدة .. فهي في نفس مكانها منذ أن خلقت .. لا تفعل شيئا سوى أن تنمو وتورق .. أعجزت أن أكون مثل هذا العصفور البريء .. الذي لا يفعل شيئاً سوى التحليق والبحث عن قوت يومه الذي هو حبة .. لا يعلم إن كان سيجدها أم لا .. لكنه سعيد...ز

لا تتكبر أن تأخذ حكمة ما من هذا الطائر الضعيف .. والتقط منه حبة سعادة لحظية .. لربما ظهرت على وجهك في شكل ابتسامة صغيرة حقيقية .. خذها ولا تخف ..اشعر بدفئها .. ثم حاول أن تبثها في أي وجه من تلك الوجوه الواجمة .. رجلاً كبيراً أو طفل صغير .. عامل سائر أو حتى سائق توك توك، وابعثها له صادقة من قلبك .. لربما بادلك بابتسامة هي حصيد ما ألقيت .. وربما لم يبتسم بعد وظل واجماً .. لكن تأكد أن ابتسامتك القادمة من العصفور أو من الشجرة أو أي ما كان قد ألقت في روحه أثر ما .. وإن لم تراه .. وإن ازداد عبوسا .. فقد وقع أجرك وأجره واجر العصفور على الله ....ز

وتذكر دائماً .. إنما الابتسامة في الوجه .. ما هي إلا صدقة...ز

وليد فاروق
ضربة شمس
6-1-2010


إ ززززززز


تسمع ذلك الصوت كثيراَ .. إززز .. يراودك في أفكارك السلبية .. في إحباطك ومخاوفك الداخلية .. إززز ,, يأتي إليك ليذكرك بيأسك ويجعلك تتخلى عن ابتسامتك التي اقتنصتها منذ قليل .. إززز .. يتعالى في داخلك شيئا فشيئا فتراك تكتئب .. تشرد .. تتعصب وتنفعل محاولاَ نفض مشاعرك في عصبية للتخلص منها .. لكنك لا تجد سوى إزززز .. أعلى بكثير .. فمن أين يأتي ذلك الأزيز السلبي...ز

هناك نظرية تقول أن الأفكار السلبية التي تراودنا ما هي إلا ذبابة عالقة بداخلنا .. هي نفس الذبابة بداخل كل إنسان .. يمكنك آلا تشعر بها إذا كانت ساكنة على جزء غير حساس منك .. لكنك إذا آثرتها بعمد أو بدون .. فإنها تطير محدثة ذلك الأزيز السلبي الذي يسبب لك الكثير من الضوضاء والإرهاق النفسي....ز
كم مرة أزعجتك تلك الذبابة .. كم من الأوهام والخوف والتوتر بسبب فقط أزيزها المزعج..ز

كثير من الناس يتعاملون مع ذبابتهم لا شعورياَ بإمساك مضرب ملوحين به بعشوائية في داخلهم أملا في قتلها .. فيصيبون خطئا مناطق حساسة من أرواحهم فيستثارون ويضربون اكثر فيجرحون مشاعرهم ولا ينجحون في اصطيادها .. فتلك اللعينة مرواغة إلى حد كبير. تلك الطريقة لا تسبب إلا الألم والجروح التي أحدثـتها بنفسك باستعمال مضرب التهور والغيظ .. وفي النهاية تضعف قوتك وتفقد طاقاتك .. وتجد الذبابة واقفة على أطراف انفك تضحك عليك في سخرية. إزززز

وهناك من يتعامل مع ذبابته بإغلاق جميع أبواب ونوافذ روحه .. ورش مبيد قوي بداخله .. يكبت جميع أحاسيسه .. يكتم دموعه وأحزانه وينشر ضباب اليأس والتناسي في نفسه ويقبع في داخله منتظراَ مع الظلام والخوف .. أملا أن يصحو في اليوم التالي فيجد الذبابة اللعينة قد خمدت .. لكن ذلك اليوم لا يأتي أبدا .. ويجد في النهاية أن ما اختنق هو مشاعره الجميلة وأحاسيسه المرهفة .. ويجد الذبابة تملأ المكان مرحاَ في مزيد من الإززز .. والززززن...ز

الحل المفترض للتعامل مع تلك الذبابة أن تتقبل وجودها بشكل ما في حياتك .. فقط إذا أحسست بصوت الإزز قادماَ نحوك (وأنت تستطيع أن تشعر بأفكارك السلبية وهي تولد ضعيفة في بدايتها) فاملأ صدرك بالهواء ثم انفثه بهدوء بكلمة هششششش .. لتخرج تلك الكلمة من أعماقك باتجاه أي فكرة سلبية تحوم بداخلك..هششش.. اشعر بالذبابة تطير بعيداَ .. كرر المحاولة عدة مرات إذا لزم الأمر .. حافظ على هدوئك واتزانك وتذكر بعدها أي شئ مبهج .. راوغها بالبسمات والسخرية .. لا تحاول هشها بأي وسيلة سلبية كالغضب والتذمر أو الشكوى .. لا تكترث لها .. فقط تذكر الكلمة السحرية .. هششش ولا تنسى أنه مهما كان تأثيرها سلبياَ عليك ... فإنها في النهاية مجرد ذبابة .. ذوووباااابة

وليد فاروق
07-2009

نـشـيـد الـروح الـوطـنـي


إلى شعب جمهورية ضربة شمس الروحاني....ء

إلى من يبحثون عن وطن ما .. ليس بالضرورة أن يكون فقط رقعة من الأرض .. فالمكان يعتبر جزء صغير جدا من معنى الوطن .. لأن الوطن هو كل شئ يمثل أهمية ما بالنسبة لك .. الوطن هو شعورك بالأمان .. هو أي معنى جميل يستحق أن نعيش له ونحارب من أجله .. الوطن هو الصديق .. حبيبتك ذات العينين العسيليتين .. الوطن هو حضن أمك الدافئ .. وطنك هو ذاتك .. إليه تنتمي ولا يتجزأ منك .. الوطن هو ذكراك التي تحتفظ بها بين ضلوعك .. الوطن هو المعاني الإنسانية بأكملها .. الوطن هو التراب الذي تسير عليه وفراشك الذي يوؤيك آخر الليل...ز

من منا لا يشعر في وقت من الأوقات بالتقصير في حق وطنه .. كل منا ينتابه حالة من الفتور وفقدان الأمل وزعزعة الثقة في وطنه الخاص .. لذا .. فنحن نحتاج إلى أن نجدد عهدنا مع أنفسنا على حب أوطاننا .. وعلى حب من نحب...ز
إن النشيد الوطني المعتاد .. بصراحة .. لا يذكرني إلا بأهرامات الجيزة وأبو الهول وكوبري 6 أكتوبر .. ولا يشعل بداخلي شيئا سوي منظر حوش مدرستي الإعدادية الكئيب .. حيث يحوم المدرسون حول الطابور بالعصا .. وويل لمن لا يهتف بالنشيد بأعلى صوته..ز

لذا فنحن في أمس الحاجة لنشيد جديد .. يملأ قلوبنا بالقوة والإرادة .. يدمع عيوننا ويقشعر أبداننا من نشوة الحماس .. نشيد يشعرنا بالانتماء .. بالحب .. بالشرف والعهد...ز

كلما تذكرت هذه المعاني .. كانت كلمات أغنية قديمة تدوي في أذني .. كلمات الرائع عبد الرحمن الأبنودي .. حيث تنبع كلماته صادقة من حشايا الأرض .. وبصوت منير طبعا الذي نستنشق فيه رائحة أرواحنا السمراء .. كانت تلك الأغنية تداعب خيالي بأن أجعلها نشيدا وطنيا في يوم من الأيام .. فكلماتها تقول:ز

تتكســري ولا يتصـلب عــودك ... أنــا جنــدي في جنودك

أنا اللي مش ممكن أخون ... حزني ولحظات الشجون

لا حزن من غير جنون ... ولا دمع من غير عيون

أنا بس معبودك ... وجودي في وجودك

الشمس تطلع .. أو تغيب

إنتي القدر .. وإنتي النصيب

هذه الكلمات التي هي مزيج عبقري من الحب والفداء والعهد والامتنان والثورة والانتماء والتضحية والعزيمة والتوحيد..ز

لما لا نجعلها السلام الوطني لنا .. نرشف منه الحماس .. نسمعه صباح كل يوم .. نضبطه على أجهزتنا المحمولة ليوقظنا كل صباح .. نضعه على سطح مكتب الكمبيوتر لنسمعه كلما أردنا أن نعلو..ز

نقف إليه ونحن ننشد به أو نسمعه في مواجهة السماء .. نضع أيدينا مبسوطة على قلوبنا .. نفتح له باب أرواحنا لكي يملأنا بالحماسة ويمدنا بالقوة اللازمة لمعركتنا خلال اليوم....ز

ما الذي تشعر بأنك تريد أن تعاهده، تعتذر له، .. تحارب من أجله اليوم .. بلدك .. نفسك .. حبيبتك .. عملك؟؟ من اجل من تريد أن تكافح وتضحي اليوم؟ .. الحق ... الحب .. الأمل؟
فقط إجعل معاني هذا النشيد في صدرك .. ليصبح شيئا فشيئا هو شعاراً لمعاني وطنك .. لتدرك .. شيئا فشيئا .. أن وطنك ما هو إلا شيئاً .. يسكن بداخل روحك .. اللانهائية المـعــاني....ز

محطة وقطار .. وبينهما انتظـار


قطعت تذكرة واحدة ... وطفقت أنتظر....ء

وجدت مقعداً شاغرا فجلست عليه ... نظرت إلى التذكرة فوجدت ميعاد القطار في الساعة السابعة .. مازال أمامي كثير من الوقت إذن .. ماذا افعل؟

أراقب الناس .. أنظر إلى البشر .. ماذا يفعلون هنا .. كلهم إما مرتحلون أو عائدون من مكان ما .. أو جالسون مثلي ينتظرون فعل شئ من الاثنين ... منهم من يجلس وحده .. ومنهم كم يجلس في زمرة .. منهم الساكن ومنهم المتحرك .. كلهم ينتظرون نفس الشيء وأثناء الانتظار كل يزجي وقته بشئ ما .. كهذه السيدة التي جلست وحدها بجواري وأخذت تتجاذب معي أطراف الحديث .. ظللنا نتحدث حتى .. حتى ماذا؟ حتى يمل أحدنا الأخر .. أو تأتي ساعة قطار أحدنا .. أحاول أن أكتب هذه السطور لكنها تأبى أن تتركني وشأني .. أمامي خيارات عده تتمثل كلها في الانتظار .. إما أن أنتظر قطارها .. أو قطاري .. أو أحسم الأمر حالا وأنهض لكي أكمل الانتظار في مكان أخر...!!ء

لكنها صمتت قليلا .. فبدأت روحي في استعادة توازنها الطبيعي

يوجد الكثير من البشر هنا .. لا تدري من أين يأتون ولا أين يذهبون .. لكنهم دائما هنالك .. عالمحطة .. مكان مكتظ بالبشر من كافة الطبقات .. علاقات اجتماعية هشة .. لكن لا أحد دائم الانتظار .. حتما لابد أن يأتي القطار ليقل قوما .. ويلفظ قوما آخرين

هو ذا قطار يقترب . يدوي صوت بوقه العميق .. بعض الناس يشعرون أنه القطار الخاص بهم .. فتراهم ينصتون .. يرهفون السمع .. من كان متكلما يصمت .. من كان جالسا يهم على قدميه .. ينظرون للقطار القادم في رهبة وخشوع .. ولم لا .. فهو من سوف يخلصهم من عذاب الانتظار

من الناس من يترقب في خوف .. منهم من يترقب في لهفة .. في شوق .. في هلع .. منهم من يهرول ومنهم من يماطل .. لكنهم في النهاية سوف يرحلون في ساعة واحدة.. إلى أين؟؟ لا أدري .. هل سيعودون ثانية .. لا أظن

أكمل تأملاتي .. لقد اخترع التأمل لكي يخفف من وطأة الانتظار .. أنظر إلى سماء المحطة .. إلى ذلك السقف العملاق الأزرق .. والذي يتدلى منه مصابيح صفراء قوية

قطار أخر يقترب .. أسمع بوقه .. أشعر أن ذلك هو قطاري المنتظر .. صوته يدوي في أذني .. يخترق كياني .. إنه هو .. أراني الملم أشيائي البسيطة .. أرهف السمع أكثر .. أهرع مع الجمع .. أتزاحم لكي أركب .. أشعر بنشوة الخلاص من الانتظار .. رغما عني أخطو نحوه لكي ينقلني إلى أين .. لا أدري
داخل القطار كل يبحث عن مقعده .. ما سيهم، فمهما أختلف المقاعد فالوجهة واحدة ... يتحرك القطار وكل راكبيه في سكون منذر .. إلى أن يغادر المحطة ... عندهــــا .. يختفي الرصيف و يختفي سقف المحطة ليظهر بدلا منه سمائنا الواسعة .. عوالم أخرى .. ألوان جديدة .. أشياء لم نستطيع أن ندركها لأننا لا نعرف سوى المحطة بألوانها الكئيبة وإضاءتها الخافتة

وفي لحظات الانتظار في محطات الحياة .. فلتستمتع بلحظات انتظارك ..اعلم أنك منتظر لكن اجعلها سويعات متحملة .. سعيدة نوعاً .. جديدة أحياناً .. مفيدة في بعض الوقت .. ومهما كان .. فلا نملك الآن .. سوى أن .. ننتظر .....ء

وليد فاروق
ضربة شمس
18-06-2008

لا تشكو وحدتك ... فهي صديقتك الوحيـدة


تجلس بمفردك ...ء
تشعر بغصة في حلقك ..ء
تدمع عيناك ...ء
تنظر إلى شخصين يسيرون سويا ...ء
تسمع أطراف حديث خفيض يتسرب إليك من ستائر شرفة الجيران ...ء
يضيق صدرك من كونك وحيدا ...ء

ولكن مهلا !! ... لم كل هذا الحزن؟؟

اعلم انك لست وحدك .. أنت فقط بصحبة وحدتك، وهي ليست صحبة مؤلمة على الإطلاق ..وحدتك هي نفسك .. ذاتك التي لا تتجلى إلا لك وحدك .. ء

وحدتك تسمع همساتك .. تشاطرك أحزانك وأفراحك .. تنهل عليك بالأفكار.. وحدتك هي التي تريك جمال القمر وأسرار الكون .. هي التي توجه عينيك إلى معاني الأشياء الحقيقية.. تدعوك للتأمل .. للارتقاء .. معك أينما كنت .. تحترم رغباتك كلها ولا تقاطعك أو تخالفك الرأي أبدا....ء

انظر ماذا فعلت في تلك الرقيقة الحالمة .. تشكو منها طوال الوقت .. تنزعج وتنفر من حضرتها .. تثقبها بعينيك لتنظر من ورائها إلى أناس آخرون .. لن يعشقوك مثلها

أتدرك مدى تألمها منك؟.. وحدتك الهشة البائسة التي تشعر بك وبما تحدثه فيها .. وهي أبدا لا تشتكي منك .. لا تطلب الطلاق "أو الخلع في أفضل الظروف" .. ولا تنهك رأسك بثرثرة وشجارات لا طائل منها

كم من مرات احتوتك في لحظات يأسك.. كم مرة رأت دموعك وسمعت صراخ روحك.. تحصى وتذكر كل تنهيدة تنهدتها في حياتك.. كم من مرة ربتت على رأسك في لحظات خوفك وسرّت عنك في عزلتك.. هي ملكك .. فقط ابتسم لها بنظرة امتنان .. ولسوف تعطيك المزيد من الدفء والأمان

أشعر بوحدتك كصديق.. لا كغريب .. لا تنساها، فقط تذكر أفضالها عليك .. كم المرات التي افاضت بها عليك وعلمتك كيف تحيا .. تتأمل .. تحلم .. هي صديقتك.. ورفيقة دربك الأبدية

وفي الغد القريب .. عندما تمتلئ عليك الدنيا بأشخاص غريبة.. وأحداث مملة وثرثرة وجدال لا ينتهي.. فقط احرص.. ولو لمرة.. أن تزور وحدتك... في وحدتها من بعدك...ء

فـتــافـيـت الـنـمــل


كان مازال طفلاً صغيراً يلهو بألعابه البلاستيكية الجامدة، يظن أنه يمنحها الحياة بتحريكه لها..لكنه يعلم أنها حياة مزيفة تنتهي بمجرد إفلاتها من يده

طفلاً غريراً هو، دون الثانية عشرة.. تلك المرحلة الوسطية بين هرمية الطفولة و طفولة المراهقة، حيث تبدأ قيود جسدك بالتحرر وتظن أنك قد نضجت فكرياً وجسدياً بينما أنت مازلت تتحسس قشرة البيضة من الداخل

كان يلهو على الأرض مندمجاً عندما رآها .. فتفوتة تتحرك ببطء على السجادة.. اقترب أكثر فوجد تحتها نملة صغيرة لا تكد ترى من ضخامة حملها، فحجمها بالنسبة للفتفوتة التي تحملها أشبه بإنسان يحمل ميكروباصاً على ظهره .. نظر الطفل لها ثم للسجادة التي تسير عليها .. لابد أنها بدت كصحراء مترامية الأطراف بالنسبة لهذه البائسة.. دنا منها أكثر ليتأملها.. كانت تجاهد فعلاً للسير بهذه الكتلة الفتفوتية ..ء

ربما شعر الطفل حينها بأنه كينج كونج.. ربما لم يقاوم لذة التحكم في مصائر الآخرين فنفخ نفخة قوية باتجاه النملة فتماسكت لجزء من الثانية قبل أن تطير الفتفوتة منها ثم تطير هي شخصيا لتسقط بعيداً وبعيداً عن فتفوتتها فأخذ الطفل يضحك في تشف ورضا من شعوره بالجبروت والقوة، لكن شعوره هذا لم يدم طويلاً، فقد نظر إلى النملة فوجدها مشتتة .. تسير بضع خطوات ثم ترتد لتسير في الاتجاه المعاكس وكأنها تبحث عن شئ ما .. فاقترب الطفل منها ورقد بجوارها وأراح وجهه على السجادة بجانبها لتصير عينيه تقريبا في نفس مستواها. وهنا حدثت المعجزة...ء

فلا يدري أحد كيف شعر الطفل بأحاسيس النملة تسري بداخله في تلك اللحظة بالذات.. كانت خائفة.. محطمة الأعصاب .. تائهة، وكانت تبحث عن فتفوتتها الضائعة بجنون .. متحسرة .. حائرة .. إلى أن تلاقت عينا النملة بعينين الطفل .. لا أدرى كيف لكنه حدث .. ثم سمع صوتها بداخله وهي تنتحب لتقول له في لوعة ممزوجة بغيظ .. انظر ماذا فعلت بحماقتك .. أتعلم كم عانيت لكي أحمل تلك الفتفوتة إلى هنا .. تلك هي قوتي وقوت أهلي .. هل حجمك وقوتك فقط يعطوك الحق في التحكم بحياة من هو أصغر منك؟ من أعطاك الحق في ذلك؟ .. ليس ذنبي إنني نملة وليس خطأك انك بشر لكني أملك نفس حقوقك في الحياة .. أتعلم لمه؟ لأني لا أملك حياتي كما لا تملكها أنت .. وبذلك تكون متساويين ..متساويين في امتلاك اللاشيء

عندها لم يشعر الطفل بدموعه المنهمرة ورجفة قلبه إلا بعد أن أعاد بطرف إصبعه الفتفوتة إلى النملة فتحسستها ثم نظرت إلى الطفل نظرة أخيرة قبل أن تحملها مرة أخرى لتواصل رحلتها المكتوبة في الحياة .. تلك الرحلة التي يمكن أن تكون أهم من رحلة حياة الطفل نفسه

تذكرت هذا الموقف الفاصل من طفولتي وأنا أقف في الدور العلوي من سوبر ماركت عملاق من الذين زخرت بهم مصر في الآونة الأخيرة .. أتأمل جنسنا..نحن البشر.. ونحن ندفع تلك العربات لتحمل ما لا نقوى على حمله.. نتحسس فتافيتنا الموضوعة على الأرفف.. نصطدم ببعض.. ونسير في طوابير.. فلم أجد فارقا بيننا وبين سلوك النمل وإن كنا اقل تنظيما وأكثر عدوانية، من نحن وكيف يقرر المرء انه قد بلغ من العمر والحكمة ما يجعله يتحكم في مصير أي مخلوق .. حتى ولو كانت نملة صغيرة.. لا أدري .. ز

فقط أدعو آلا تأتي نفخة من طفل عملاق تطيح بنا وبعالمنا .. غير أنني أؤمن تماما أننا جئنا إلى الوجود بنفخة .. وسنزول منه أيضا .. بنفخة....ز

وليد فاروق
11/2008

مـهـاتــرات ميتـافـيـزيقيــة



كل الحاجات كانت تضحك لما اقابلك
لا عرفت نفسي من بعدك ولا من قبلك

تتردد هذه الكلمات في أذني و أنا استيقظ من النوم مفزوعاً...... لم أستطع النوم لمدة خمس دقائق كاملة... فكلما تستسلم جفوني للنعاس...يُبرم طرف ملآءة السرير من تلقاء نفسه ويحاول الولوج في أذني ... عشرات المرات خلال الليل ... شعور محطم للأعصاب بجد

أنهض من الفراش في بطئ .. أجلس على طرفه توطئة لكي ارتدي خفي المنزلي... فأرى كلتا الفردتين وقد رأوني يهرعان ليتواريا تحت الدولاب... أفكر جدياً في شراء قطة لكي تصطادهما لي. ... أنهض عاري القدمين إلى الحمام لكي أغسل وجهي... أفتح الصنبور لأرى ما سيسيل منه اليوم.... اه... اليوم مرقة دجاج ... لا أريد مرقة دجاج .. أريد الماء فحسب ... لا.. لن أحلق ذقني اليوم ... فمنذ يومين و أنا أشذبها .. تحولت شفرات ماكينة الحلاقة الحادة إلى.. إلى ذلك المعجون اللزج الخاص بإزالة الشعر لدى النساء... أى.. كان الألم لا يطاق..إحتاج الأمر قرابة نصف الساعة لكي أخلص شاربي من تلك المادة العجماء

بوجه مغسول بالمرق... أرتدي ثيابى ثم أجلس على طرف الفراش ... أرفع قدمي اليمنى فيلمحني إصبعها الصغير..ينظر لي في حدة ... ثم يشير نحو وجهي في إتهام ويقول... لقد اسكتني بالأمس..لكني سأتكلم... أيها الوغد ... لن تجرؤ على إسكاتي اليوم أيضا... انـك مم مــممم بففففف ....... يصدر همهمات مكتومة...فقد أرتديت جوربي عليه....لم أر في حياتي إصبع قدم ثوري بهذه الطريقة....ثم إرتديت عليه الحذاء ...هذا كفيل بإخراسه تماماً ثم أحكمت ربطه بوحشية كأني أخنقه..أو أشنق نفسي

خرجت من البناية التي أقطنها .. علي أن آمر على معمل التحاليل الطبية بجواري لكي أعرف نتيجة تحليل الدم الذي أجريته البارحة .... فقد جرحت نفسي صدفة ... فقط لكي أكتشف إني أنزف دماً اخضر اللون ... فقررت أن أقوم بعمل هذا التحليل على سبيل أن الوقاية خير من العــلاج

أدلف من بوابة المبنى الذي به المعمل .. إنه في الطابق التاسع لذا ضغطت على زر إستدعاء المصعد فارتسمت على الشاشة الرقمية الخاصة بتحديد الطوابق صورة يد .. يد تحرك إصبعها السبابة يمينا ويساراً كناية عن الرفض .... أضغط مرة أخرى فتظهر كتابة على الشاشة تقول بوقاحة " مش نـــــازل!!!" ... يبدو إننى صرت مجنوناً لأني سألته بصوت مسموع " طب اعمل ايه أنا طيب؟؟" ... فرسم لي صورة درجات سلمية ثم كتب.."يمين في أول شمــال"

عند بلوغي الدور التاسع شعرت بما يشعر به الغريق والضائع في الصحراء ومريض القلب.. وذلك من فرط الدوار والعطش وضيق التنفس الذي اصابني.
أدخل المعمل لأجد الطبيب المسئول جالساً يطالع جريدة "مِخبــار اليوم". .. قلت له إني أريد نتيجة التحليل الخاص بي من فضله.. فقال لي وهو يقف من مجلسه .. آه.. أهذا أنت؟ .. إنتظر قليلاً .... وذهب إلى قاعة الإستقبال الكبيرة من المعمل .. فوقف على كرسي كان هناك وأنتزع شيئا ما من النجفة "الثريا" المعلقة ... ثم عاد لي وهو يقول... تحليل حضرتك يا أستاذ

أخذت منه الملف وفتحته ... كانت به صورة التحليل غريبة نوعاً... كانت صور شبه فوتوغرافية.. نظرت لها فوجدت الآتي: مجموعة من كرات الدم الحمراء وقد إرتدت "تيشيرتات" خضراء اللون فبدا اللون السائد هنا هو الأخضر...كان منهم من يلوح بيده.. ومن يبتسم للكاميرا في بلاهة... و منهم من يفرد إصبعيه راسماً علامة السلام... و كان البعض يحملون لافتات فحواها الإعتراض على شئ ما... كانت صورة تذكارية باسمة جداً

صورة أخرى بانورامية... تظهر كرات الدم وهي تتظاهر أمام الشريان الأورطي بالقلب..بينما يظهر القلب في الخلفية.. تماماً كصور مظاهرت جمعية حماية طائر البطريق أمام البيت الأبيض....ء
ز
 قال لي الطبيب.. لا تقلق...إنها مجرد مظاهرة سلمية لجذب الإنتباه ....... لكن المقلق في الموضوع إننا إكتشفنا أثناء التحليل مفاوضات سرية بين أعضاء جسدك.. فحواها حفر بعض الأنفاق وذلك لجعل... إحم.... لجعل عملية الإخراج تتم من أذنيك....و هذا.. إحم... هذا شئ محرج نوعــاً...... لم لا تحاول الذهاب إلى طبيب مختص لكي يوقف هذا التمرد....ز

 قلت له : وماذا عساه سيفعل؟؟ هل سيحقنني بمصل مكون من عصارة ضباط أمن الدولة والأمن المركزي وبعض الجرائد المثقوبة....  وذلك لكي يحبطوا حركة أعضاء الجسد... بقيادة الإرهابي أبو الأمعاء الغليظ.. ثم يعتقلوهم بداخل قفصي الصدري؟؟؟ .. لا تقلق.. سوف أرى ما يمكنني عمله... نظر إلى الطبيب نظرة خاوية مما يدل على أن دعاباتي سخيفة حقاً... لذا تركته وأنصرفت بدون اي كلمة إضافية

بعد هبوط درجات تسعة طوابق، وجدت نفسي في الطريق.... حائراً ككلب لولو أضاع عظمته المفضلة

لم تكن سيارتي معي، كنت أعتقد أن شخص ما سرقها ثم أوقفها على قضيب القطار.... لكني كنت أعلم أنها من إختارت لنفسها هذه النهاية.... بعين الخيال أراها ليلا تقف على شريط القطار... تبطل محركها.... تجذب فرامل يدها.... صوت المحرك المنطفي يعلو كنايه عن اللهاث... القطار يقترب بسرعة جنونية... أنوارها تنطفي وتضي لكي تشجعها على الثبات.... الوحش الحديدي الطويل يدنو ويعوي..... تفور المياة في الريدياتير من فرط الرهبة والخوف.... تحترق البوجيهات من العصبية... تطلق أله التنبية في صرخة مكتومة تعبيرا عن لوعتها قبل أن يحدث الإرتطـــــام ...................... وقد كان

كنت أعلم منذ زمن أنها تفكر بهذه النهاية... فمعدنها الصلب لم يتحمل قسوة ما حدث ..... كيف تجرؤ على العيش بدون الشئ الذي كان جسده يجلس على مقاعدها في إسترخاء... وأنفاسه العبقة تنبعث لكي تفعم زجاجها بالضباب... كيف تنسى من ضحك وبكى بداخل حضنها الدافئ وداعب بأنامله الرقيقة مراراً أزرار زجاجها الكهربائي..... لقد إختارت لنفسها هذه النهاية المريحة .... لكن منظر اشلائها المحترقة قد ارعب كوابيسي فعلاً

أشير لسيارة أجرة كي أذهب إلى العمل... فأدل السائق على وجهتي ثم أجلس بجانبه....... يضع شريطا في كاسيت السيارة لينبعث منه صوت محمد منير الغارق في اللوعة يقــول

كل الحاجات بتعذبني وأنا واحداني
تهرب قصادي وتقول لي ماتجيش تاني
دور على اللى كان ويـــــاك
تحت الورود..نايمة الأشواك
كل اللي يومها فرحته معاك
بيعذبني
كل الحاجــ.......ء

يسكت صوته فجأة وتقف الموسيقى ورائه... حتى إننى لظننت أن هناك عيبا ما في جهاز التسجيل.. إلا أن انبعث صوت منير عالياَ من الكاسيت يقول... " عم إبراهيم..!! الراجل اللى قاعد جنبك دة لو مانزلش من العربية دلوقتي... أنا مش هاغنيلك تاني.." .. تهدأ سرعة السيارة تدريجياَ إلى أن تقف إلى جانب الطريق ليقول لي عم إبراهيم....معلش يا بيه..... إنت عارف بقى.. فأرتجل من السيارة... فتنطلق باعثة ذلك الدخان الأسود الذي يدل على أن الموتور "مفـــوت"..... وأسمع صوت منير مرة أخرى يغني.. ويبتعد عني..... يبتعد ويتركني وحيداً

غارقــاَ في كأبتي المعهودة... وأفكاري السوداء

وليد فاروق 2007
اهداء ... لدكتور/ احمد خالد توفيق


جنــاح كوكـب الأرض


مهمة إعداد جناح ضخم بمعرض دولي ليست بالمهمة السهلة، .. فهي تتطلب مالاَ وجهداَ كبيراَ .. ووقتاَ زمنياَ لا يقل عن شهرين .. إنشاء تصاميم هندسية، تصميم لوحات وبوسترات إعلانية .. وتصنيع أثاث وعوارض خشبية وتجهيز أرضيات ودهانات وإضاءة ومكاتب استقبال ..هنا حيث نبني أبنية بغرض عرضها على الناس فقط بغرض استشعار الرضا والانبهار في نفوسهم.. وبمرور كل يوم تزداد توتراَ وعصبية .. إلى أن تأتي الأوقات الحاسمة في التجهيز الفعلي .. وهي ثلاثة أيام قبل الافتتاح الرسمي .. سهر.. إجهاد .. توتر .. منبهات .. مكالمات هاتفية ومشاوير لا تنتهي .. دائماَ هناك شيء ليس على ما يرام .. دوماَ هناك شيء ناقص .. ياللتعب وسهر الليالي في نصب البناء وتثبيت الملصقات والدهانات والعمل الشاق من أجل جناح تتمنى أن يكون جميلاَ .. ويوم الافتتاح .. يبدو المظهر في أبهى صورة .. كل شيء لامع مضيء حسن المظهر .. يوجد بعض الأخطاء .. لكن ما أسهل مداراه العيوب في بناء هش الأساس أصلا

ويظل هكذا لمدة أربعة أيام حسوماّ .. وما أن ينتهي توقيت المعرض في ساعة محددة .. حتى يبدأ كل شيء في الزوال .. ينهار كل شيء في دقائق .. تنطفئ الأنوار .. يسحب الموكيت الأحمر من الأرضيات .. فتبدو من تحته الأرضية الخراسانية الكئيبة .. تنزع الملصقات وتفك الأخشاب في سرعة غير مسبوقة .. ما بني في أيام برفق وتأني يهدم في لحظات بقسوة ووحشية

في تلك اللحظات الحاسمة أيضا .. اشعر برغبة عارمة في البكاء .. ويتملكني شعور بالفناء والعبث .. وهزلية الحياة .. حيث كل ما تم بناؤه سوف يؤدي دوره المرسوم في لحظات معدودة ثم يرحل أخذا معه الألوان والأحلام .. والأمل واليأس .. فما يحدث في تجهيز المعارض من بناء وهدم .. ووجود وزوال .. هو نموذج مصغر جدا للتجربة البشرية على جناح هذا الكوكب ...نحيا بآمال محشوة بالحلم واليأس والتوتر والجهد .. فنحقق أمالنا .. لكن هناك دوماَ شيئا ليس على ما يرام .. تحرق نفوسنا وأنامل أعصابنا على أشياء مادية نتمنى لها الخلود .. لكنها مهما كبرت .. فهي إلى زوال

لم يتبقى من المعرض ولا من الأجنحة والأبنية من شيء .. فقط هناك بعض الذكريات والصور الفوتوغرافية .. والتي تشير أنه كان في الماضي .. في هذا المكان المقفر .. بناء

فإذا كانت هناك قيمة لما نفعله .. فهي دوماَ قيمة روحانية .. ذكرى طيبة .. كلمة جميلة .. شعور في النفس .. فيا للعجب أن ما يتبقى من الأشياء دائماَ هي أشياء غير ملموسة .. لكنها ساكنة فينا .. فلا تأمنوا لكيان مادي جاثم أمامكم مهما كبر حجماَ وثباتاَ على الأرض .. وابحثوا عن الحب بين أبنية أحلامكم .. فهو من الأشياء القليلة التي سوف تبقى أبداَ بعد انتهاء فترة العرض .. على جناح كوكب الأرض

العشاء الأخير .. لخروف العيد الكبير


الشبع .. ذلك الشعور اللذيذ .. لا أتذكر إني حصلت على وجبة دسمة بهذا الشكل من قبل .. اتجشأ في كبرياء .. وأهز فروتي المجعدة في سعادة .. ولكن .. يراودني شعور غريب لم أعتاد عليه .. فبرغم كل السعادة الغامرة .. إلا أن قلبي منقبضاً .. وكأن شيئا ما سيحدث قريباً

كان لي أخ يقيم معي في نفس المكان الذي يطل على المنور الرطب .. قدموا إليه وجبة مماثلة .. ثم أخذوه في اليوم التالي ولم أره بعدها .. مازال صوت صراخه يدوي في أذني وهم يأخذونه بعيدا عني

أحاول النوم لكني لا أستطيع .. فالأفكار تحاصر رأسي .. وخوفي يتزايد من الغد .. الغد فقط ، إن لحظات الإنتظار تمر بصعوبة، لكن الأصعب أن تنتظر شيئاً لا تدري كنهه .. فعندما تنتظر المجهول تتحول الثواني إلى ملاحم إغريقية .. وتعصف جميع المحاوف والأفكار برأسك الضعيف

أحك قروني في الحائط .. أبعثر بقايا الطعام على سبيل تزجية الوقت .. تباً لهذا الصمت الثقيل .. أصرخ بالكلمة الوحيدة التي لا أعرف غيرها في حياتي .. فتدوي في منور العمارة الساكن ثم يعود إلي الصدى بأخر حرف فيها .. ــاء .. ءءءءء .. رغماً عني شعرت بغصة في حلقي من الوحشة .. وإقشعرت فروتي الصوفية من رعب الصوت ... فلأخرس قليلاً إذن

 إنه الفجر .. أمد عيناي لبقعة السماء الصغيرة المتاحة أمامي .. وهواء اليوم الوليد يحرق منخري من فرط بكارته ... لقد إقتربت جداً من الحقيقة

هنا ... يُفتح الباب .. ويدخل رجلان يقتادونني إلى الخارج ... لا تدفعوني بقسوة أرجوكم ... فسوف أكون مطيعاً اليوم .. وسأنصاع اليكم ..فالآن أصبح الشك يقيناً .. وبدأت أدرك ما أنا مقبل عليه

يسوقونني إلى الشارع .. حيث تتردد أصداء جماعية تنشد لحناً ما من مكان بعيد .. أطفالاً يحملون البالونات ويمشون في سعادة غامرة .. رجالاً يلبسون الأبيض وعلى وجوههم إمارات الفرحة

شيئاً فشيئا بدأ خوفي يزول .. ويحل محله سعادة كبيرة .. أكبر من سعادتهم، بل إني أشعر بأنهم يحتفلون خصيصاً من أجلي .. الأطفال يشيرون نحوي بفرحة .. والرجال يحيطون بي كأنهم يزفونني .. ومزيج الألوان الزاهية يمر أمام عيوني

ومع كل خطوة كانت حوافري تخطوها .. كنت أقترب أكثر من قلب الحقيقة .. ذلك المعنى الأعظم الذي خُلِقت من أجله ... الفداء ... ما الذ هذا الشعور الآن بعدما أدركت قيمته .. ما أجمل التضحية بأعز ما تملك من أجل ما تحب .. ما أحلى ان تعيش اللحظة التي قضيت حياتك بأكملها تمهيدا وإستعداداً لتلك التضحية الغاليه .. في هذه اللحظات الثمينة تتحول الآمك فجأة إلى اعياد .. ودمائك القانية إلى عطر سرمدي تنثره على جدران الكون

أنت لن تموت .. سوف تسمو وتنتشر بداخل كيان جميع البشر .. حقيقة لا مجازاً .. لسوف تصبح خالداً .. مبعثا للسرور والأمل .. رمزا للفداء والتضحية على مر العصور

ورغم ما أنت فيه ..وسط الجموع المحيطة بك .. وأنت ترى النصل الحاد يمرق بجانب عنقك .. تلمح تلك الطفلة الصغيرة الواقفة تنظر بتمعن في عينيك .. فتنطبع صورتها المبتسمة على حدقتيك ... ثم لن يلبث أن يزول بريق الحياة من مقلتيك .... لكن بريق الأمـــل ... أبــداً ... لن يـــزول



الإشبحــلال الحــرنقفي. مسبباتـه، أعـراضه، وكيفيـة العــلاج منه


اليوم سنتحدث عن مرض شائع في الأوساط الالمصرية – الشبابية على وجه التحديد .. اسم هذا المرض هو الإشبحلال الحرنقفي .. حيث يصيب الجميع وتحديداً الشباب في سن العشرين وحتى الأربعين من العمر

اسم المرض غير شائع .. ربما لم يدرسه الأطباء دراسة كافية .. الغرب لم يكتشفوه بعد لأنه مرض مصري بحت.. ربما تم التعتيم عليه أو هو فيروس نشرته جهه ما إذا ما تحدثنا عن نظرية المؤامرة هنا

وسنتناول نبذة مختصرة عن طبيعة هذا المرض كما يلي

ما هي اعراض مرض الإشبحلال الحرنقفي؟

القهر-الظلم-الكبت- الفساد-الإبتذال والسخافة-الغلاء- التلوث- ندرة الأصدقاء والحب الحقيقي- ضعف الحيلة- عدم الصدق- فقدان الأمل- الصدمات العاطفية- عدم وجود رمز للإلتفاف حوله- الخيانة- فقدان الهوية- نشرة الأخبار- ضلال الحقيقة

ما هي أعراض مرض الإشبحلال الحرنقفي؟

تدريجيا، وبعد فترة من عدم تكيف الروح نتيجة للأسباب السابق ذكرها، تبدأً أولى أعراض المرض وهي مرحلة الشبحليل المبدئي.. يبدأ المريض بفقدان الأمان.. ويشعر بالإنعزال والوحدة يليه تدهور في الحالة المزاجية وعدم الإرتياح على أي وضع متاح مع الشعور بالغضب والسخط وتحدث محاولات من المريض لتغيير الواقع المحيط بإمكانيات عقله المحدودة وطبقا للحقائق الواقعية المتمثلة أمامه حينها

فإذا لم يعالج المريض أو بائت كل محاولاته بالفشل كما هو متوقع، إنتقل إلى مرحلة المرض الثانية وهي التورم الحرنقفاني، عندها يبدأ المريض في فقدان أي أمل أو حتى عمل اي شئ، يبدأ ذهنه في التبلد، يصير نادر الكلام قليل الأفعال، دائم الشرود.. تعتصر رياح اليأس روحه ويصير هزيلاً أو مفرط السمنة، يرتحل بريق عينيه ولا يشعر بطعم السعادة، فقط الألم هو المسيطر في هذه المرحلة

فإذا لم ينتبه المريض لحالته ويبدأ في العلاج فوراً، إنتقل إلى أخطر مرحلة للمرض وهي مرحلة كلكعة الشبحليل الكلي، فيها يسمى المريض مشبحلاً، عندها يفقد المريض شعوره بالشعور، تتجمد كل احاسيسه، لا يعد راغباً في شئ، لا يكترث للغد ولا يعد للأمس قيمة، حتى الذكريات تذبل، تحتل عينيه غشاوة رقيقة من الدموع حيث لا معنى للبكاء أو للضحك، تسيل الألوان من عينيه ويقل الكونتراست من شبكية عينيه فيرى كل الصور رمادية باهتة كئيبة، لا يشعر بروحه، فقط نهار الأيام ضوء طويييل، ومساؤها أسود طوييييل كما قال منير يوماً " صبح وزيه الصبح التاني..ليل ملضوم في الليل التاني..وأنا مش رايح..أنا مش جاي..أنا مش واقف حتى مكاني" يمل من الحياة ويصبح حلم فقدانها ماثلاً امامه لا لشئ إلا لأنه شعور ملموس .. تجربة اخرى، فقد جرب المريض الحياة و ها هي قد فقدت بريقها تماما من وجهه نظره فصار معناها هو ما يشعر به من عدم الشعور

وأخيراً، ما هي وسائل العلاج من هذا المرض؟

الحقيقة أن العلاج السريع من هذا المرض وخصوصاً مراحله المتقدمة ليس سهلا لكنه ليس مستحيلا كذلك، فغالباً ما يشفى المريض تلقائياً لكنه قد يستهلك اياماً عديدة من عمره.. ربما سنوات، لكنه عندها سيكون قد خسر الكثير من لحظات حياته وهي خسارة فادحة حقاً

أما عن وسائل العلاج فليست كلاماً عن الأمل، أو حديث الغرض منه شحن الطاقات الداخلية، أعلم ان الحديث عن الأمل مهم جداً وفعال في العلاج، لكن في مراحل المرض المتأخرة، ما جدوى العلاج بشئ قد فقده المريض أو أوشك على فقده.. ما اتحدث عنه هنا هو إنتهاز الومضات الكونية....ء

قد تلتمع فكرة ما في ذهنك، تماماً كالبرق من بين الغيوم السوداء.. فلم لا تكثف هذه الومضة الصاعقة لتشحن جزءاً من بطاريتك الفارغة، فمثلاً عندما تأكل أو تشرب بدون اي نزعة حتى في إستجداء معنى الطعام بالنسبة لك، فقط للحظة تذكر ان هناك الملايين ممن البشر ممن لا يجدون الطعام او الشراب الذي بين يديك الأن

عندما تقرأ، تكتب أو تتحرك إعلم أن هناك كثيرون يفتقدون هذا حقاً، عندما تنام دافئا مطمئناً في دارك مهما كانت مكانته إعلم ان هناك الكثيرون في الجوار ينامون عرايا بلا مأوى يخافون سقوط قذيفة على رؤوسهم المرتجفة.. فقط إحمد الله .. للحظة

لربما إبتسمت رغماً عنك للحظة، لربما تلقيت إشارة من الله .. للحظة.. لربما شعرت ببهجة في عيني طفل للحظة، لربما همست لك إحدى الأزهار بسر سحرها في لحظة، فقط لا تتجاهل هذه الومضات، إعلم أن أحزانك القاتمة ستحاربها.. ستؤنبك أنك شعرت بها، ستقول لك زورا أنها سراب وهذا ظلم بين لأنك قد شعرت بها فعلاً ولو لجزء من الثانية.. مهمتك الأولى للتخلص من هذا المرض اللعين هو الدفاع عن تلك الومضات التلقائية، عن حمايتها بداخلك.. تلك الومضة أو الإشارة الخافتة التي من الممكن أن تغير حياتك فجأة، بادر الإشارة بمثلها بالجزء الخافت أيضاً من روحك والذي سيزال حياص رغم كل ما حوله من الألام .. تماماً كالصندوق الأسود الذي لابد أن يظل وإن لم تعرف مكانه بعد....ء

واعلم، أن كل لحظة تحياها هي تجربة.. كل ما تمر به هو مجرد فترة إعداد لشئ لا يعلمه إلا الله، فهو يريد لك هذا ليعلمك شيئا ما، ليقصيك عن خطر ما، أو ليعدك لشئ ما غالبا ما ستعرفه حينما تبتعد عن بؤرة ما انت فيه وترى باقي أجزاء خريطة حياتك، حينها ستدرك المعنى.....ء

فقط الأن لا تتجاهل العلامات، كثف كهرباء الومضات الإلهية على روحك وحاول أن توقد منها شمعة.. فقط شمعة.. لعلها تدلك يوماً ما... على دربك المقسوم لك.....ء

بدايـــــات خــــريف مـــزمن



وكأنه الفصل الأخير من نهاية جديدة .. أو بداية قديمة

في الخريف.. تبدو وكأنك ورقة شجر لحظة انفلاتها من غصنها العتيق. تظن أنها ستهوى إلى الأرض لكنها تفاجأ بالرياح تدفعها عالياً، تحملها .. تدور بها .. ترتحل معها لأماكن بعيدة..جديدة.. فأي سعادة تشعر بها الورقة وهي تطير في رحلة حياتها الأولى والأخيرة

في الخريف تتحول المشاهد إلى لوح زيتية قديمة.. تغلف الأشياء بطبقة من الضباب والشجن .. تحدثك الأشجار وتهمس لك الرياح.. تدعوك لكي تشعر بها.. تبوح لها.. تراودك لتشعر بلذة الشجن وجلال الحزن وأنس الوحدة.. تكشف لك الطبيعة أسرارها لتجلي عنك أتربة روحك.. المغمورة داخل روتين الاعتياد.. تجعلك تتنهد.. تدمع.. تنفث ما بداخلك من أوجاع مكبوتة.

تحوم طيور الذكريات حول قلبك.. فتأتي بخزائنك القديمة وتفتش بها بجنون.. تبعثر منها أغان منسية لمنير وفيروز وأم كلثوم.. تتناثر قصائدك القديمة ممزوجة بعطور كنت تضعها من عشر سنوات.. ترى مشاهد من طفولتك.. تمر بجوارك لقطة من علاقة عاطفية سابقة.. لربما تذكرت صديقاً ذهب.. أو حبيباً مازلت تنتظره .. أو كادراً لمكان تركت فيه بعض زفراتك .. أو تذكرت حلم قديم سقط منك سهوا وأنت تعدو لتلاحق الأيام .. فنسيت انه كان لديك حلماً.

في الخريف تتجلى الحواس وتسمو الروح.. وكأنما يدعوك الكون لكي تشعر.. ترى.. تتذوق المعاني المجردة.. تتأمل حياتك وتقطر منها خلاصة تجاربك السابقة.. تصنع منها مشاعل وبطاريات ومراهم .. لتستعد بها للمشهد التالي من مغامرتك في الحياة.

في الخريف.. أبحر بداخلك .. تعمق .. أترك أشرعة روحك لتداعبها نسمات الهواء .. خذ معك من الأمل والحب والشجن ما شئت .. وأستمتع ببداية رحلة .. لا تنتظر نهايتها

 
وليد فاروق
10/2008